اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ١٥ أيار ٢٠٢٥
كتبت سحر ضو في 'اللواء'
يبدو أن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل دخلت مرحلة غير مسبوقة من التوتر، تُرجمت في مواقف سياسية متباينة وتصريحات متناقضة، وسط فتور متصاعد بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. وعلى الرغم من أن الإدارة الأميركية الحالية لطالما عُرفت بدعمها المفرط لتل أبيب، فإن التطورات الأخيرة تكشف عن تصدّعات حقيقية في الثقة بين الجانبين، لا سيما مع تصاعد الانتقادات داخل الأوساط الأميركية تجاه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتعامل الإسرائيلي مع ملف الرهائن.
في قلب هذا التوتر يبرز اسم الجندي عيدان ألكسندر، الأميركي – الإسرائيلي الذي يُعتقد أنه أُسر خلال معارك غزة في حرب 2024. ألكسندر، الذي يُنظر إليه كـ«الورقة الأميركية» داخل ملف الأسرى، بات محور تحركات دبلوماسية تجري خلف الكواليس، تقودها واشنطن على الأرجح، في مسعى للإفراج عنه بشكل منفصل، وبعيداً عن الإطار التفاوضي الرسمي بين إسرائيل وحماس. خطوة كهذه أثارت قلقاً واسعاً في أوساط الكنيست، حيث اعتُبرت تجاوزاً لدور إسرائيل في ملف سيادي بامتياز، وأشعلت تساؤلات عن مدى احتفاظ تل أبيب بهامش السيطرة داخل شبكة التحالفات الاستراتيجية.
في المقابل، لمّح نتنياهو علناً إلى إمكانية عقد صفقة تبادل منفصلة تتعلق بألكسندر، مقابل «ثمن أقل»، ما يدلّ على أولوية هذا الملف في حسابات الحكومة الإسرائيلية، نظراً لحساسية ازدواج جنسيته والضغوط المتزايدة من البيت الأبيض. غير أن هذه الأولوية لم تُقنع الإدارة الأميركية، التي بدأت تشعر بأن نتنياهو يتلاعب بها، ويُخفي عنها قرارات حاسمة، كان آخرها معلومات متعلقة باغتيال الأمين العام السابق لحزب الله، «حسن نصرالله»، من دون تنسيق مسبق مع واشنطن.
ومع استمرار الحرب، تتكشّف مواقف داخلية أميركية تشير إلى انحسار التأييد الشعبي للدور الإسرائيلي في غزة. استطلاعات رأي حديثة، من بينها استطلاع لمركز «بيو» للأبحاث، كشفت أن أكثر من نصف الأميركيين باتوا ينظرون إلى إسرائيل نظرة سلبية، فيما عبّر 66% عن اعتقادهم بأن الحرب لا تخدم مصالح الولايات المتحدة. المفارقة أن 53% من اليهود الأميركيين أنفسهم قالوا إنهم لا يثقون بنتنياهو، في مؤشر مقلق على تآكل الحاضنة التقليدية لسياسات تل أبيب داخل الولايات المتحدة. كما أظهرت استطلاعات إضافية أن 31% فقط يرون أن ترامب يوازن في تعامله مع الملف الفلسطيني، بينما يعتقد 29% أنه ينحاز بالكامل لإسرائيل، ما يعكس تراجعاً في شعبيته داخلياً، حتى بين القاعدة التي دعمته في ولايته الأولى.
في إسرائيل، بدأ القلق يطفو على السطح بعد أن نشرت صحف محلية، أبرزها «يسرائيل هيوم»، معلومات عن غضب متزايد لدى ترامب من ممارسات نتنياهو، خاصة مماطلته في تنفيذ تفاهمات سابقة، ومحاولاته الدؤوبة لجرّ واشنطن إلى مواجهات إقليمية لا تصبّ في المصلحة الأميركية، خصوصاً مع إيران. وقد نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن ترامب قطع قنوات الاتصال المباشر مع نتنياهو، معتبراً أن الأخير يتلاعب به، ويتعامل مع الرئاسة الأميركية كأداة ضغط لا كشريك استراتيجي.
تزامن ذلك مع توقيع نحو ألف من جنود الاحتياط الإسرائيليين وطياري القوات الجوية المتقاعدين على رسالة تدعو لإنهاء الحرب على غزة، وتطالب بإعطاء الأولوية لعودة الرهائن. وجاء في الرسالة أن استمرار العمليات العسكرية يخدم أغراضاً سياسية داخلية لا أمنية، ويعرّض حياة الجنود والمدنيين للخطر، في موقف يتقاطع إلى حد كبير مع الأصوات الأميركية التي ترى في الحرب عبئاً استراتيجياً.
التوتر بلغ ذروته مع تجاهل واشنطن لتل أبيب عند إعلان وقف إطلاق النار في اليمن، في مؤشر واضح على تراجع مستوى التنسيق، وتحوّل إدارة ترامب إلى قرارات أحادية الجانب قد تُرغم إسرائيل على تقديم تنازلات قسرية لم تكن مستعدة لها. هذه الخطوات تُقرأ في تل أبيب كإشارات مقلقة على ابتعاد الحليف الأميركي في لحظة فارقة، ما يضعف الموقف الإسرائيلي في مفاوضات غزة، ويهدّد بخلخلة عمقها الاستراتيجي في المنطقة.
وسط كل هذه التحوّلات، يتضح أن ملف الجندي عيدان ألكسندر ليس مجرد قضية إنسانية أو تفاوضية، بل عنوان لتوتر أوسع يُعيد رسم معادلة العلاقة بين واشنطن وتل أبيب. إنها لحظة اختبار حقيقية لحدود التحالف التقليدي، ومرآة لمدى قدرة إسرائيل على التكيّف مع متغيّرات داخل البيت الأبيض الأميركي، حيث لم يعد كل ما تريده تل أبيب يُنفذ تلقائياً، بل باتت مجبرة على الاستماع، وربما التراجع.