إمام الصلح الحسن بن علي 

تهل علينا مناسبة فاضلة في النصف من شهر رمضان المبارك، وهي تتعلق بمولد أحد أهم الشخصيات العظيمة التي تركت بصمتها المميزة في تاريخ الإسلام، إنه الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، أول سبط لرسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار)، وقد ورد في الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهرة العديد من الآيات والأحاديث التي تشير إلى مناقبه وفضله ومكانته السامية في الإسلام، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) قوله: 'الحسن والحسين إمامان'، وهذا يدل على الشرف العظيم الذي مُنِيَ به منذ الولادة.

وقد عرف عنه في شبه الجزيرة العربية الحكمة، ووصل صيت عدله أصقاع الأرض، فكان رمزاً للتسامح والتسليم لقضاء الله، ونموذجاً استثنائياً بأخلاقه العالية وسماحته في التعامل مع الناس، وكان من المشهود له بالجود والكرم، حتى أنه كان يلقب بـ 'المجتبى'، الذي يعني المختار.

لا شك في أن الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) هو أحد أعمدة الإسلام وقاماته العظيمة التي قدّمت الكثير للأمة الإسلامية بحكمتها وعدلها وسمو أخلاقها، ولن ينتهي الكلام عن هذا الإمام العظيم مهما استرسلنا، فقد ورث عن جده النبي محمد (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) الفضائل والخصال الحميدة، وعاش على منهجه النبوي الشريف.

الإمام الحسن مرجعية إسلامية

إن الإمام الحسن بن علي (عليهما السلام) هو ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، وأحد الأئمة المعتبرين في التاريخ الإسلامي، عرف لدى مراجع المسلمين بكل مذاهبهم، فلا اختلاف فيه ولا عليه، فهو ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) السيدة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين (عليها السلام)، واحدى أهم الشخصيات المحورية في التاريخ الإسلامي، لما لها من دور عظيم في تبليغ الرسالة والمحافظة عليها، وضعته في المدينة المنورة في ١٥ من شهر رمضان، لينشأ في بيت نبوي، حيث استقبل تربيته النورانية والالتزام الديني على يد جده المصطفى وأبيه الإمام علي وأمه الزهراء (عليهم الصلاة والسلام).

ولقد تحققت فيه ما بشر به النبي (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) في حق الحسن بن علي (عليهما السلام): (إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)، وبعد استشهاد والده الإمام علي، تولى الإمام الحسن الإمامة، وكان له دور كبير في تعزيز الصلح والوحدة بين المسلمين في فترة ما بعد وفاة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار).

نهجه الإصلاحي في مواجهة الفتن

إن السيرة الذاتية للإمام الحسن تأخذنا إلى محطة مهمة في حياته شكلت حماية للإسلام ومستقبله في خضم العديد من التحديات والمحن التي تعرض لها الإمام خلال حكمه كإمام للمسلمين، ولكن بفضل حكمته وسبره للأمور وإحكام العقل وقيم الشريعة الإسلامية الداعية إلى الصلح والإصلاح، فقد نجح في إيجاد حلول لتلك التحديات، وقد ابتغى وحدة المسلمين على تشتتهم، ورأى أن الخير أن يتنازل عن الخلافة لصالح معاوية بن أبي سفيان من أجل درء الفتن والصراعات الدامية بين المسلمين وعصم دمائهم، لذلك فقد قدم الإمام الحسن بن علي قدوة حسنة في التسامح والتضحية من أجل مصلحة الإسلام والمسلمين، حتى أن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) وصف هذه الخطوة التاريخية بقوله: 'والله ، لَلَّذي صنعه الحسن بن علي (عليهما السلام) كان خيراً لِهَذه الأمَّة مِمَّا طَلعت عليه الشَّمس'.

إن تاريخ الإمام الحسن وإرثه يعتبران محطات مهمة في تاريخ الإسلام، ولا يزال تأثيره حتى اليوم، لذلك يجب علينا تقدير قيمة الإمام الحسن، وبسالته وشجاعته في زمن التخاذل، من دون أن ننسى جهوده العظيمة في تعزيز الصلح والوحدة بين المسلمين على الرغم من المدلهمات. كما ينبغي استلهام دروس وعبر من حياته النبيلة وسيرته الطيبة ليكون نهجنا نهج الصلح والإصلاح اتباعاً لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.