الإتفاق مع صندوق النقد الدولي...هل حان وقت النهاية؟

«الإتفاق مع صندوق النقد الدولي» قدر لا مفر منه ولا من تنفيذ شروط الصندوق من قبل الدولة اللبنانية،هكذا جرت العادة من بعد الإتفاق معه، خصوصاً مع إبلاغ المسؤولين اللبنانيين بحزم عبر صندوق النقد الدولي وفي أكثر من مناسبة، مسودّته الشاملة لجميع مكامن الخلل في النظام المالي والاقتصادي، وعدم تراجعه قيد أنملة عن شرطه الإسراع بإقرار القوانين والتشريعات المالية الإصلاحية المطلوبة لإقفال جميع مسارب الفساد والفوضى في النظامين المالي والمصرفي، قبل الحصول على أي مساعدة نقدية.

سنتان بالتمام والكمال مروا على «الإتفاق الأولي» بين لبنان وصندوق النقد الدولي، ولا يزال لبنان وصندوق النقد الدولي المكلف من المجتمع الدولي وأصدقاء لبنان متابعة شؤون المساعدات المطلوبة للإنقاذ، عند المربع الأول في المفاوضات وذلك لأن بالنسبة لدول العالم يتهرب من تطبيق الإصلاحات بشكل عام والإجراءات التي يتضمنها صندوق النقد الدولي على وجه الخصوص،ولكن هل صحيح أن صبر صندوق النقد الدولي بدأ ينفد وإلغاء الإتفاق مع لبنان أصبح قاب قوسين أو أدنى؟

نفى الخبير المالي والمصرفي نسيب غبريل في حديث لـ«اللواء» الكلام حول تهديد صندوق النقد الدولي للبنان بقرب وقف أو تعليق الإتفاق معه ووضع هذا الكلام في إطار الشائعات، وتهويل غير مبني على أي دليل أو معطى رسمي لأن ما قاله صندوق النقد الدولي أنه سينتظر جهوزية السلطات اللبنانية لتطبيق الإصلاحات، ولكن لم يهدد بتعليق الإتفاق.

وأكد غبريل أنه لا يوجد أي تصريح من قبل صندوق النقد الدولي يؤكد هذا الأمر، سواء من خلال البيانات التي تصدر بعد زيارات صندوق النقد الدولي إلى لبنان أو من خلال التقرير المفصل الذي يصدره صندوق النقد عن لبنان ولا حتى في المؤتمرات الصحافية التي يقوم بها الناطق بإسم صندوق النقد الدولي كل أسبوعين في واشنطن،لهذه الأسباب هذا كلام فارغ وعارٍعن الصحة.

وأشار إلى أنه يصادف أنه مرت سنتان على توقيع الإتفاق بين صندوق النقد الدولي ولبنان، أي 24 شهراً من توقيع هذا الإتفاق الأولي الذي لم يطبق منه أي شيء يذكر لأن التسعة شروط المسبقة الموضوعة في هذا الإتفاق ما عدا أربعة بنود من أصل تسعة أي أن معظم هذه الشروط لم تطبق لأن هناك بعض الأمور تجنّبتها الحكومة كالمفاوضات مع حاملي سندات اليوروبندز وهذه من أسهل الأمور التي كانت الحكومة بإمكانها أن تبدأ بها، وهذا الأمر كان من المفترض أن يبدأ من آذار 2020 أي عندما أخذت الحكومة السابقة قرارها بالتعثر عن تسديد سندات اليوروبندز.

واعتبرأنه لا شك أن هناك أمورا تحققت كالتدقيق في موجودات مصرف لبنان الخارجية على سبيل المثال،وفي الثامن من شباط تقدم المشروع المتعلق بمعالجة أوضاع المصارف على الرغم من أنه تم تقديمه بعد سنتين من توقيع الإتفاق مع صندوق النقد الدولي فضلاً عن التقديم في الأمور التي تتعلق بتوحيد سعر الصرف وسعي مصرف لبنان إلى إطلاق منصة جديدة بالتعاون مع «بلومبرغ» لهذه الغاية،ولكن الحرب على غزة والمواجهة الحاصلة على الجبهة الجنوبية للبنان أجّلت هذا الموضوع.

وأردف أن هناك عائقين لعدم تطبيق الإتفاق مع صندوق النقد الدولي: الأول وهو الأساسي أنه لا يوجد إجماع حول الخطة التي قدمتها الحكومة لأنها لم تناقشها مع المعنيين أي الهيئات الإقتصادية والقطاع المصرفي، والهيئات الأخرى في القطاع الخاص، ولكن تم تقديمها بعد وضعها فور توقيع الإتفاق مع صندوق النقد،لذلك لا يوجد لا إجماع ولا حتى تبني للخطة، أما السبب الثاني هو عدم معرفة الحكومة كيفية التسويق لأهداف الإتفاق مع صندوق النقد الدولي ومضمون الخطة، فضلاً عن أسباب أخرى وهي أنه ومن ضمن الإجراءات المسبقة لا يوجد أي شرط له علاقة بتفعيل عمل القطاع العام أو في ما يتعلق بحل مشكلة الكهرباء، كل هذه الإجراءات التسعة لها علاقة بالقطاع المالي في المصارف التجارية ومصرف لبنان وبالدين العام ،وكأنه لا يوجد «قطاع عام» كل هذه الأمور تم ترحيلها إلى الإتفاق النهائي بين الطرفين.

وشدد على أنه ليس هناك من إستطاعة للتركيز على القطاع المالي والدين العام وإهمال القطاع العام،لأن الذي تسبب بالأزمة التي ما زال لبنان في خضمها هي «سوء إدارة القطاع العام»،وبالتحديد قطاع «الكهرباء» وبالتالي كان يجب أن تتضمن هذه الإجراءت المسبقة بنداً يتعلق بقطاع الكهرباء ليصبح هناك تبنٍّ أو بعض الإجماع حولها لأن صندوق النقد يقول أنه لكي ينجح البرنامج لا بد أن يتضمن تبنياً جامعاً وواسعاً وتبنياً من قبل شرائح المجتمع،وهذا الأمر هو غير موجود وغير متوفر،والنقطة الأخرى التي أخرت تطبيق الإصلاحات أنه لا يوجد إجماع على معالجة موضوع «الودائع» لأن الودائع المصرفية بالنسبة لهذا البرنامج هي عبء يجب التخلص منه بطريقة أو بأخرى لهذا السبب تحديد مصير الودائع هو العائق الأساسي.

ولفت إلى أنه في مشروع القانون المتعلق بمعالجة «أوضاع المصارف»أن ما يتضمنه في ما يتعلق بمعالجة الودائع هو كيفية التخلص من 80% من الودائع نفسها من خلال تحويل جزء منها من الدولار إلى الليرة أو تحويل جزء منها من الدولار إلى أسهم في المصارف أو تحويل جزء آخر إلى سند ب 0% فائدة على مدى 30 سنة ومن أصل 91 مليار دولار ودائع بالعملات الأجنبية يتم إسترداد ما بين 16 إلى 20 مليار دولار أي 20% منهم تقريباً على مدى 15 سنة.

وختم غبريل أنه وفي تفاصيل أخرى لهذا المشروع تشير إلى أنه عندما يتم تحويل جزء من الودائع من الدولار إلى الليرة،يتم شطب ما يقابله من ميزانية مصرف لبنان،وكلما يتم تحويل جزء من هذه الودائع بـ«الدولار» من ودائع مصرفية إلى أسهم في المصارف يتم شطب هذه القيمة ممن ميزانية مصرف لبنان،أي أن الذهنية لا زالت تدور حول أن الودائع هي عبء يجب التخلص منه لذلك مرَّ 24 شهراً على لبنان ولا زلنا من دون إصلاح أو إحراز أي تقدم في مشروع الإتفاق مع صندوق النقد الدولي،وصندوق النقد الدولي يقول أن السلطات المحلية هي من تضع البرنامج الإصلاحي ومن ثم يتم نقاشه مع صندوق النقد، ومن ثم يتم الإتفاق على تفاصيله أي أن السلطات هي من تحدد الأولويات ويتم مناقشتها بناء على الأولويات،والأولوية الأساس لصندوق النقد تكمن في كيفية إسترداده الأموال التي سيدينها إلى لبنان لذلك مصلحة صندوق النقد الدولي هي التخلص من هذه الديون، ولكن يجب أن لا تتخلى الدولة عن مسؤوليتها وتتصرف وكأنها مراقب عن بعد في برج عاجي.