اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ١ تموز ٢٠٢٥
مع تواتر المعلومات عن الرغبة ببيع دارة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في «قريطم» من قبل أرملته، بالرغم مما تنطوي عليه من رمزية وطنية ومعنوية، المطلوب إطلاق أوسع حملة وطنية جامعة وشاملة، لحماية وتصنيف دارة «قريطم» كمبنى تراثي، وذلك في خطوة تهدف إلى صون الذاكرة الوطنية اللبنانية، التي جسّدها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والحفاظ على إرث العاصمة بيروت السياسي والعمراني والتاريخي.
تُعدّ دارة الرئيس الشهيد رفيق الحريري أكثر من مجرد مبنى سكني أو سياسي. فقد شكّلت خلال العقود الماضية رمزاً وطنياً ارتبط باسم الحريري ودوره في إعادة إعمار بيروت في التسعينيات.
كانت دارة الرئيس الشهيد رفيق الحريري رمزًا لمحطات وطنية فاصلة في تاريخ لبنان الحديث. هذا المبنى التراثي في قلب بيروت تحوّل إلى مركز لصناعة القرار، وتدوير الزوايا الحادّة، لا سيما بعد توقيع اتفاق الطائف عام 1989، إذ لعبت دارة «قريطم» دوراً مركزياً في متابعة تطبيقه، كما كانت المحطة الأساسية التي استقبلت لقاءات القادة اللبنانيين، ومبعوثين سوريين، ودبلوماسيين عرب ودوليين، من أجل تثبيت الوفاق الوطني وترجمة بنود الاتفاق إلى خطوات عملية.
وشهدت الدار اجتماعات رئاسية وحكومية مفصلية، ولقاءات مع قادة دول عربية ودولية، ما يضفي عليها قيمة سياسية وتوثيقية استثنائية في التاريخ اللبناني الحديث.
أما من الناحية العمرانية، تمثل دارة «قريطم» نموذجاً للطراز اللبناني الحديث الممزوج بعناصر تقليدية. هذا الطراز يعكس أسلوب بيروت العمراني في أواخر القرن العشرين، الذي يواجه اليوم تهديدات خطيرة بفعل التوسّع العشوائي وضغوط السوق العقارية. ويُعدّ الحفاظ على الدار مساهمة في صون الهوية المعمارية للمدينة، التي فقدت الكثير من مبانيها التراثية في السنوات الأخيرة.
وبناءً عليه، فإن المحافظة على الدار واجب وطني وأخلاقي و«بيروتي»، تكريماً لشخصية وطنية بارزة لعبت دوراً محورياً في إنقاذ لبنان وإعادة إعماره، مساهمة في تعزيز الهوية الوطنية الجامعة وصون الذاكرة الجماعية، وفرصة لجعل هذا الموقع فضاءً توثيقياً وثقافياً مفتوحاً أمام الأجيال المقبلة.
وإنطلاقاً من هذه المسؤولية المشتركة، نتقدّم من رجلي القانون والعدل «الفقيهين» دولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور نواف سلام ومعالي وزير الثقافة الدكتور غسان سلامة، بالإيعاز لمديرية الآثار في وزارة الثقافة لإدراج دارة الرئيس رفيق الحريري على لائحة الأبنية التراثية.
ينص القانون اللبناني رقم 194 تاريخ 12 تشرين الأول 2020 على حماية الأبنية والمواقع التراثية، ويُعرّف في مادته الثانية التراث المبني بأنه الأبنية التي تتمتع بقيمة تاريخية أو فنية أو ثقافية خاصة. كما تلزم المادة الثالثة وزارة الثقافة بإعداد الجرد العام واتخاذ القرارات اللازمة لإدراج الأبنية التراثية، فيما تمنع المادة الرابعة هدم الأبنية المصنّفة أو تغيير طابعها دون موافقة الوزارة.
إلى جانب ذلك، يتيح قانون الآثار رقم 37/2017 حماية المواقع ذات الأهمية الاستثنائية حتى لو لم تبلغ مئة عام من العمر، إذا ثبتت قيمتها التاريخية. ما يوفر أساساً قانونياً متيناً لإدراج دارة «قريطم» ضمن لائحة الأبنية التراثية.
كما تتوزع مسؤولية حماية هذا الإرث بين عدة جهات رسمية:
- محافظ بيروت، ممثل السلطة المركزية في العاصمة، ملزم بالتأكد من احترام القوانين المتعلقة بالتراث، والتنسيق مع وزارة الثقافة في طلبات الهدم أو الترميم، ومنع أي تعديل أو هدم غير قانوني.
- بلدية بيروت بدورها مسؤولة عن إدراج المناطق التراثية ضمن المخطط التوجيهي للمدينة، فرض قيود لحمايتها، مراقبة رخص البناء، ودعم مشاريع الترميم. كما يقع على عاتقها تنظيم حملات توعية للحفاظ على هوية المدينة التاريخية.
لا يقتصر الأمر على الدولة والبلدية، إذ يضطلع المجتمع المدني، والجمعيات الأهلية، والناشطون المحليون بدور أساسي في حماية التراث. وتبرز الدعوات اليوم إلى إطلاق حملات إعلامية وعرائض شعبية للضغط على المسؤولين، بهدف وقف عملية البيع وضمان تصنيف الدار رسمياً كموقع تراثي.
إن المحافظة على دارة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ليست مجرد مسألة شخصية أو عقارية، بل مسؤولية وطنية وأخلاقية جامعة، خصوصاً وأن هذه الدار تُعتبر معلماً من معالم الذاكرة الوطنية، إذ لم تكن مجرد بيت سياسي، بل كانت ملتقى للفرقاء، مساحة للحوار، ومختبراً للتسويات التي صنعت تاريخ لبنان الحديث.
من هنا تأتي الحاجة إلى إطلاق أوسع حملة وطنية جامعة، لحماية هذا المعلم من أي تغيير جذري قد يشوّه قيمته التاريخية والثقافية، وضمان فتحه يوماً كفضاء توثيقي وثقافي أمام الأجيال المقبلة، ومنتدى للحوار والمؤتمرات، ومركزاً للأبحاث والدراسات، التي تستكمل مشروع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وفقاً لأسس تحديثية تطويرية، تحاكي لغة العصر والحداثة، في أعقاب التحوّلات والمتغيّرات الجذرية والعميقة التي يشهدها لبنان والمنطقة بأسرها.