اخبار لبنان
موقع كل يوم -أي أم ليبانون
نشر بتاريخ: ٢١ تموز ٢٠٢٥
كتبت غادة حلاوي في 'المدن':
حتى ليل أمس، استمرت اجتماعات اللجنة الثلاثية لإعداد الرد اللبناني على ورقة المقترحات الأميركية، التي من المنتظر أن يتسلّمها الموفد الأميركي توم باراك خلال زيارته الحالية إلى لبنان. ويمكن اختصار فحوى الرد بأنه يتمحور حول استعداد لبنان لتنفيذ القرارات الدولية، ولا سيما تلك التي تنص على حصرية السلاح بيد الدولة، والتي ستكون الجهة الوحيدة المخوّلة اتخاذ قرار السلم والحرب. إلا أن الأهم يبقى في مطالبة لبنان بضمانات مقابل أي صيغة توافق جديدة، على أن تكون الخطوة الأولى من الجانب الإسرائيلي، من خلال إعلان وقف عدوانه على لبنان. وهذه الصيغة، سبق أن تحدث عنها باراك، عندما اقترح وقف الاعتداءات لفترة وجيزة كاختبار للجانب اللبناني، أو إعلان هدنة لمدة أسبوعين.
وفي وقت تضع اللجنة المكلّفة اللمسات الأخيرة على صياغة الورقة اللبنانية، والتي لن تقتصر على كونها مجرّد رد على المقترحات، يعكف حزب الله على دراسة خياراته. فرفضه لورقة باراك لا يعني القطيعة مع الدولة بشأن الخطوات المستقبلية المتصلة بملف السلاح.
ومن خلال تصريحات أمينه العام، الشيخ نعيم قاسم، تُسجَّل ملاحظات من الحزب تتجاوز مضمون الورقة الأميركية، لتطال أداء السلطة في التعاطي معها. وهنا تحديدًا، يُسجّل اختلاف في القراءة بين طرفَي الثنائي، حزب الله ورئيس مجلس النواب نبيه بري، من دون أن يُعدّ ذلك خلافًا بالمعنى السلبي للكلمة.
ورقة بشروط تعجيزية
فحزب الله، الذي اعترض على مجرد قبول ورقة تتضمن شروطًا أميركية اعتبرها تعجيزية، يرى أن واشنطن لن تكتفي بما طُرح، بل ستواصل التصعيد ورفع سقف مطالبها، معتبرًا أن لبنان تسلّم، فعليًا، ورقة استسلام وليس مجرد اقتراحات. أما بري، وبوصفه رئيسًا لمجلس النواب وممثلًا للسلطة الثانية، فقد تسلّم الورقة الأميركية، ووافق على المشاركة إلى جانب الرئاستين الأولى والثالثة في مناقشتها. وعلى الرغم من تفهّمه لملاحظات حزب الله وتحفّظاته، فإن هواجسه من اندلاع عدوان إسرائيلي محتمل، دفعته إلى التعاطي مع الورقة في إطار النقاش الرسمي اللبناني.
وفي ظل هذا التباين، تم التوافق على صياغة مقترحات لبنانية تُعرض على حزب الله للتشاور بشأنها، مع التزام الجميع بها متى أُقرّت. ومن هنا بدأت المشاورات على أكثر من خط: بين حارة حريك، عين التينة، وبعبدا.
كان المطلوب من حزب الله إبداء مرونة تجاه أي مقترح لبناني يتعلق بحصرية السلاح بيد الدولة أو بقرار السلم والحرب، استنادًا إلى القرارات الدولية التي سبق أن التزم بها لبنان. واعتُبرت هذه الصيغة مخرجًا لموقف الحزب الرافض لمناقشة الورقة الأميركية، إذ يرى أن مسألة السلاح شأن داخلي يُناقش حصريًا مع رئيس الجمهورية، من دون أي تدخل خارجي.
جرّ لبنان إلى طاولة أميركا
لم يُعر حزب الله اهتمامًا لما قاله باراك بشأن كونه حزبًا سياسيًا، وأن المطلوب فقط هو تسليم السلاح الثقيل لحماية إسرائيل. فقد رأى في ذلك غزلاً لا يعكسه مضمون الورقة، ولا المهلة الزمنية المفروضة على لبنان لسحب السلاح، ولا الاتهامات الموجّهة للجيش بالتقصير، والتي بدت وكأن الهدف منها هو الدفع نحو صدام بين الجيش والحزب لانتزاع السلاح بالقوة.
من وجهة نظر الحزب، نجح الأميركيون في جرّ لبنان إلى طاولة التفاوض وفق شروطهم، بينما كان بإمكان لبنان رفض الدخول في أي نقاش جديد، والتمسّك بالاتفاقات القائمة، ومطالبة إسرائيل بتطبيقها. ولهذا، رفض الحزب الورقة الأميركية منذ البداية، واستغرب الرد الأميركي على ورقة لبنان متجاهلاً الهواجس اللبنانية.
وأمام الشروط الأميركية التي تحدد مهلًا وخطوات يفترض بلبنان تنفيذها، برز التوجّه إلى الاستناد إلى القرارات الدولية كمخرج مناسب لصياغة الرد اللبناني، بشكل لا يستفز واشنطن، وفي الوقت ذاته يُرضي حزب الله. وقد استُند في هذا السياق إلى بنود اتفاقية الهدنة، والقرار 1701، واتفاق الطائف، لتأكيد أن لبنان ينفذ التزاماته الموثقة، من دون تقديم تعهدات جديدة. وعلى هذا الأساس، جرى النقاش مع الحزب.
ومن بين الأفكار التي طُرحت على حزب الله: التأكيد على التزام لبنان باتفاقية الهدنة وسائر القرارات الدولية التي تؤكد حصرية قرار السلم والحرب بيد الدولة، مع التشديد على أن النقاش مع الحزب سيكون حول الصيغة اللبنانية، لا الشروط الأميركية.
باب الحوار
انحصرت اللقاءات التشاورية في تبادل الأفكار واستشراف إمكانات تتيح للبنان تقديم اقتراحات جديدة هدفها منع التصعيد الإسرائيلي وتقليل الضغط الأميركي.
منذ البداية، رفض حزب الله مناقشة مضمون الورقة الأميركية، معتبرًا أن لبنان كان يجب أن يجرّ الأميركي إلى ملعبه، لا العكس، من خلال التمسك باتفاق وقف إطلاق النار ورفض مناقشة أي صيغة بديلة قبل تنفيذه. ولهذا، تعمّد الحزب عدم منح شرعية للمقترحات الأميركية، لكنه، في الوقت نفسه، لم يغلق باب الحوار مع السلطة، وأبلغها استعداده لمناقشة الملفات معها حصريًا.
ويمكن إدراج رفع سقف التصعيد في المواقف، الذي ورد في خطاب أمينه عام حزب الله حزب الله، ضمن نظرية باراك نفسه: 'التفاوض يتطلب أحيانًا رفع السقوف من الطرفين لبلوغ نقطة التقاء في المنتصف'. فهل كان هدف الحزب دعم موقف الدولة التفاوضي؟
يستغرب حزب الله كيف أن ورقة الموفد الأميركي لم تتطرق إلى أي ضمانات مفترضة، ولم تُجب على الهواجس اللبنانية، ولم تأتِ على ذكر الانسحاب الإسرائيلي. وما تطلبه السلطة من الأميركيين هو خطوة تُعزز موقعها التفاوضي تجاه الحزب.
وبحسب المعلومات، فإن من بين المطالب اللبنانية التي طُرحت على باراك: وقف العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان، والانسحاب من النقاط التي لا تزال محتلة، تمهيدًا للانتقال إلى نقاش جدي حول مسألة السلاح، وفق منطق 'خطوة مقابل خطوة'، شرط أن تكون الخطوة الأولى من جانب إسرائيل.
وفي اللقاء مع باراك، طرح الرئيس بري سؤالًا صريحًا: 'كيف يمكن بدء النقاش بينما يتواصل العدوان الإسرائيلي؟' أما قصر بعبدا، فكان أكثر تشددًا، معتبرًا أن وقف العدوان شرط إلزامي لأي مسار تفاوضي.
لكن، وبموازاة النقاش حول الورقة الأميركية، جاءت التطورات الخطيرة في سوريا لتعيد ملف السلاح إلى واجهة الأولويات. إذ يخشى حزب الله من اندلاع حرب إسرائيلية مزدوجة على جبهتَي الجنوب والبقاع، معتبرًا أن سلاحه بات اليوم مطلبًا شعبيًا. فمن يضمن ألا يواجه العلويون المصير ذاته الذي واجهه الدروز؟ ومن يضمن عدم امتداد التهديد إلى لبنان، وخصوصًا إلى حزب الله نفسه؟
هكذا تتشابك التعقيدات، سواء في الورقة الأميركية التي يعتبرها الحزب 'مستحيلة'، أو في ما تفرضه تطورات سوريا من حسابات دقيقة وارتدادات خطيرة سيعكسها باراك في لقاءاته اليوم.