اخبار لبنان
موقع كل يوم -الصدارة نيوز
نشر بتاريخ: ٧ أيلول ٢٠٢٥
كتب محمد قواص…
يستقوي الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بحشد الزعماء الذين كان بينهم في قمّة “منظّمة شنغهاي للتعاون” في الصين قبل أيّام. لم يكن وحده يشعر بتلك الطمأنينة داخل بيئة بدت حاضنة للغاضبين المتبرّمين من سطوة الولايات المتّحدة وطباع رئيسها دونالد ترامب. تأمّل بزشكيان الحضور الاستثنائي اللافت للزعيم الهندي ناريندرا مودي الذي طوى صفحة خلاف مع الصين نكايةً بإثم ارتكاب صديقه ترامب سلاح الرسوم الجمركية الموجع ضدّ بلاده.
تقدّم روسيا الدعم لإيران. وقّعت هي والصين وإيران رسالة مشتركة موجّهة إلى الأمين العامّ للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش تنتقد تفعيل الترويكا الأوروبية فرنسا، ألمانيا وبريطانيا، “آليّة الزناد” (Snapback) ضدّ إيران باعتباره غير قانوني. استخدمت بكين وموسكو المفردات الإيرانيّة نفسها التي لم تجد طهران أفضل منها لمواجهة ما تعتبره افتراء لا عدل فيه. أمّا الزعيم الروسيّ فلاديمير بوتين الذي بالغ ترامب في الحفاوة به في ألاسكا في 15 آب الماضي، فبدا، كما بزشكيان، مستقوياً بالحدث الصيني ورسائله.
عرض العضلات الصّينيّ
وقف بزشكيان إلى جانب بوتين والزعيمين الصيني شي جينبينغ والكوري الشمالي كيم جونغ أون وآخرين يشاهدون عرض العضلات اللافت الذي تقصّدت بكين إظهاره للعالم أجمع. أفرجت الصين عن أسرار من “ثالوثها النوويّ” ونماذج ممّا تملكه من أسلحة استراتيجيّة وحديثة التكنولوجيا في عرض عسكري ضخم مشى في ساحة تيانانمن وسط العاصمة. تأمّل ترامب أيضاً الحدث من بعيد، والتقط رسائل بكين العسكريّة وتلويحها بما يمكن لحلف معادٍ للولايات المتّحدة أن يغيّره في موازين القوى الدولية. كتب ترامب منشوراً للزعيم الصيني: “بلّغ تحيّاتي لكيم وبوتين لأنّكم تتآمرون على أميركا”.
تعوّل إيران بيأس على أوراقها الصينية الروسية. حتّى إنّ الصين تبلّغت من بيروت أنّ جميلاً إيرانيّاً جعل من الصين ما هي عليه الآن. خرج واحد من المحلّلين القريبين من أجواء “الحزب” في لبنان يكشف أنّ مسيرة حزبه ساهمت في التطوّر الذي وصلت إليه الصين هذه الأيّام. قد لا يندرج الأمر إلّا في إطار الفكاهة والتندّر، غير أنّ “الحزب” يشيد مواقفه المعارضة لسعي الدولة إلى حصر السلاح بيدها على “محور” متخيَّل يُدرِج الصين وزعيمها داخله. لا تجرؤ إيران نفسها على ذلك الطموح، وهي التي لم تجد من بكين، حتّى في عزّ “قطوع” حرب حزيران الماضي، إلّا بيانات الشجب والدعوة إلى الحوار والدبلوماسية والسلام.
الورقة الأخيرة
“الحزب” ورقة بيد إيران أقوى من أوراقها الروسيّة والصينية. وقد تبدو تلك الورقة هي الأخيرة القابلة للتفعيل. قضت إسرائيل على ورقتها الفلسطينية عبر حرب ضروس لم تنتهِ منذ 7 أكتوبر/تشرين الأوّل 2023. ولن يحيي اجتماع وزير الخارجية الإيراني عبّاس عراقجي مع وفد قياديّ لحركة حماس في الدوحة الخميس الماضي ورقةً تتيح لطهران استثمارها داخل مسار صراعها الحالي مع أوروبا والولايات المتّحدة. وتعمل إسرائيل التي اغتالت حكومة جماعة الحوثيّ قبل أيّام على جعل ورقة إيرانية أخرى خارج الصلاحيّة. حتّى إنّ سحب حكومة بغداد لقانون “الحشد الشعبي” الذي أغضب واشنطن من البرلمان يوحي بترنّح ورقة إيران العراقية، وسط قلق من قرار الانسحاب العاجل للقوّات الأميركية من العراق.
تتعامل حكومة لبنان مع عناد “الحزب” بصفته ورقة إيرانية قيد التفعيل. غير أنّ قرار إسقاط السلاح غير الشرعي وحصريّته بيد الدولة لم يعد شأناً داخليّاً فقط. ترسل واشنطن من قلب بيروت رسالة بهذا الشأن. تحدّث السناتور الأميركي ليندسي غراهام من قصر بعبدا عن أنّ نزع سلاح “الحزب” واجب اللبنانيّين قبل أن يُطلب من الإسرائيليين أيّ التزامات. لكنّ الرجل عاد بعد أيّام ليعلن، من إسرائيل هذه المرّة، أنّ عجز لبنان عن القيام بهذا “الواجب”، سيفعّل حتماً الخطّة “ب”.
القرار اتُّخذ
ليس صدفة أن تخرج من واشنطن بموازاة ما أعلنه غراهام مواقف توحي بأنّ تدخّلاً خارجيّاً عسكرياً بات ضرورة ملحّة “لتنفيد المهمّة”. وزير خارجية ترامب في ولايته الأولى، مايك بومبيو، كتب في “فوكس نيوز” في 25 آب الماضي أنّ الولايات المتّحدة بقيادة ترامب يمكنها، من خلال اتّخاذ قرارات حاسمة، “تحرير بيروت من سيطرة “الحزب” ونفوذ إيران”. بعده كتب جون بولتون، مستشار الأمن القومي في ولاية ترامب الأولى، في صحيفة “التلغراف” البريطانية في 1 أيلول الجاري، منتقداً ضعف الأداء الأميركي والدولي في هذا الصدد، داعياً الغرب إلى التحرّك الفوريّ لتقديم دعم مباشر للحكومة اللبنانية، معتبراً أنّ رؤية لبنان خالياً من السلاح الإيراني ومن “الحزب” منطلقٌ لسلام مستدام في الشرق الأوسط، مشيراً إلى ضرورة “عزل إيران وشلّ “الحزب” قبل فوات الأوان”.
لا أحد في لبنان يريد حروباً مستورَدة جديدة. لكنّ نذير الأمر بات احتمالاً تتقاطع إشاراته. قرار نزع السلاح قد اتُّخذ، فإمّا ينفَّذ بالتوافق اللبناني، وإمّا من خلال اتّصال هاتفي من طهران يأمر بذلك، وإمّا من خلال حملة عسكريّة إسرائيلية تحظى هذه المرّة بدعم ورعاية دوليَّين تكشف المواقف التحضير لها. الخطّة “ب” هي نذيرٌ بكارثة جديدة على لبنان تفرض عليه شروطاً صعبةً لم تُفرض قبل ذلك.