اخبار لبنان
موقع كل يوم -صحيفة الجمهورية
نشر بتاريخ: ٢٦ شباط ٢٠٢٥
كقائدٍ لجماعةٍ متمرّدة متحالفة مع تنظيم «القاعدة» خلال الحرب الأهلية السورية الطويلة، كان الرجل المعروف باسمه الحركي، أبو محمد الجولاني، يُرحِّب بالجهاديِّين الأجانب، ويُرسل المفجِّرين الانتحاريِّين لتفجير المواقع العسكرية، ويتعهّد بإقامة دولة إسلامية.
قبل عقدٍ من الزمن، أعلن لأحد الصحافيِّين أنّ المسلمين لا ينبغي أن يدخلوا البرلمان ليقسموا على دستور وضعي، لأنّ عليهم احترام «حُكم الله عزّ وجَلّ».
القائد نفسه أصبح رئيس سوريا الجديد بعدما أطاح تحالفٌ متمرّدٌ كان يقوده بالحاكم المستبد بشار الأسد في كانون الأول. وقطع علاقته بـ»القاعدة» قبل سنوات، ويُعرَف الآن باسمه الحقيقي، أحمد الشرع. استبدل بزّته العسكرية بالبزّات الرسمية، وبدأ حملةً ديبلوماسية لإقناع القادة الأجانب ومواطنيه السوريِّين بأنّه قادر على إصلاح بلاده المحطمة وقيادتها نحو الديمقراطية - أو شيءٍ يُشبهها.
وأكّد لمجلة «إيكونوميست» هذا الشهر: «إذا كانت الديمقراطية تعني أن يُقرّر الشعب مَن يَحكُمه ومَن يُمثله في البرلمان، فإنّ سوريا تسير في هذا الاتجاه».
التناقض الحاد بين ماضي الشرع الجهادي وحاضره البراغماتي القومي ترك السوريِّين والمسؤولين الأجانب يتساءلون عمّا يؤمِن به فعلياً وكيف سيحكم دولةً مِحوَرية في قلب الشرق الأوسط.
أمس، عقدت حكومته الموقتة حواراً وطنياً بمشاركة مئات الحضور، ويؤكّد المنظمون أنّه يسعى إلى بناء توافق حول المستقبل السياسي والاقتصادي للبلاد. لكنّ بعض المجموعات الرئيسة، مثل «قسد»، الميليشيا الكردية المدعومة من الولايات المتحدة وتُسَيطر على شمال شرق البلاد، لم تُدع.
يرى العديد من السوريِّين، المُنهَكين بعد 13 عاماً من الحرب الأهلية، أنّ أي شيءٍ سيفعله سيكون أفضل من البؤس والدمار اللذَين تسبّب بهما الأسد. لكنّ منتقدِيه السوريِّين الذين لا يَثقون في توجّهه الإسلامي يتهمونه بأنّ وراء خطابه التصالحي ماضياً مظلماً لم يتبرّأ منه بوضوح.
منذ أن أصبح زعيم سوريا الجديد، زار كبار المسؤولين العرب والغربيِّين دمشق أو استضافوه في عواصمهم لمناقشته في القضايا التي تهمّهم، بما في ذلك مكافحة النفوذ الإيراني، والحَدّ من الوجود العسكري الروسي، وإيقاف صادرات المخدّرات غير القانونية، والتصدّي للجهاديِّين العنيفين، وضمان حقوق المرأة والأقليات الدينية.
أكّد بعض هؤلاء المسؤولين أنّهم أُعجِبوا برسائله الشاملة، لكنّ القليل منهم وعدوه بما يحتاجه بشدّة: المساعدات المالية لتعزيز اقتصاد سوريا، إطلاق إعادة الإعمار، ورفع العقوبات الصارمة التي فُرضت لمعاقبة الأسد. أول أمس، وافق الاتحاد الأوروبي على تعليق القيود المفروضة على البنوك السورية وقطاعات الطاقة والنقل، وكذلك تمديد التدابير لتسهيل المساعدات الإنسانية.
أحد العوامل التي تعوق التعامل الدولي مع حكومته هو أنّ الولايات المتحدة ودولاً أخرى، إلى جانب الأمم المتحدة، لا تزال تُصنِّف الجماعة المتمرّدة التي كان يقودها، «هيئة تحرير الشام»، على أنّها منظمة إرهابية. بعض الدول لا تزال تُصنّفه شخصياً كإرهابي.
كانت باربرا ليف، المسؤولة البارزة في وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط خلال إدارة بايدن، من أوائل المسؤولين الأميركيِّين الذين التقوا بالشرع في دمشق في كانون الأول، وكشفت أنّه كان مستعداً بوضوحٍ للاستماع إلى ما تقوله الولايات المتحدة - والردّ عليه: «وجدته مفكّراً منهجياً بدرجةٍ عالية من البراغماتية».
وأضافت أنّه من غير الواضح إلى أي مدى لا يزال ماضيه الجهادي يُشكّل رؤيته كزعيمٍ لبلدٍ مُحرَّر حديثاً، يسعى بشدة إلى الحصول على الاعتراف الدولي والدعم. وتساءلت: «إمّا أنّه ممثل بارع، أو أنّ لديه شخصية إسفنجية تمتصّ التجارب والسياقات التي تشكّل البيئة العامة وتعدّل تفكيره وفقاً لها».
تحاول حكومته إنشاء جيش وطني لاستيعاب الميليشيات العديدة في سوريا، لكنّ بعضها يقاوم الانضمام ويُسَيطر على أراضٍ وموارد هامة مثل الأراضي الزراعية والنفط.
حتى قبل أن يُسمّى رئيساً في اجتماع مغلق مع قادة المتمرّدين المتحالفين، كان الشرع يعمل في الداخل والخارج لإعادة تشكيل صورة سوريا وصورته الخاصة. فجال في المحافظات السورية والتقى بممثلين عن الأقليات المسيحية والعلوية والدروز. وعلى رغم من توجّهه الإسلامي، لم تحظّر حكومته الكحول أو تفرض قواعد لباسٍ على النساء.
في رحلاته الخارجية، كان يُكيِّف رسالته وملابسه وفقاً لمضيفيه. عندما التقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ارتدى ربطة عنق خضراء، وعندما التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ارتدى ربطة عنق حمراء - وهما لونَا علمَي بلدَيهما.
كثيرٌ من الرجال المسلمين المحافظين يُبقون زوجاتهم بعيداً من الأضواء، لكنّ زوجة الشرع، لطيفة الدروبي، ظهرت معه لأول مرّة خلال رحلة حَجٍ في السعودية. وفي رحلةٍ لاحقة إلى تركيا، التقت مع أمينة أردوغان.
إنتقد الشرع إيران، التي دعمت النظام السابق، مؤكّداً إنّ سوريا لن تُشكّل تهديداً لجيرانها. لكن يتهمه منتقدوه بأنّه يقول لكل مَن يلتقي به ما يُريد سماعه، بينما يتجاهل ماضيه المتطرّف وسجلّات بعض حلفائه العنيفة.
عام 2017، أنشأت جماعته المتمرّدة «حكومة الإنقاذ» لإدارة المناطق التي كانت تُسَيطر عليها في شمال غرب سوريا. بعد سقوط الأسد، جلب الشرع تلك الإدارة إلى دمشق لتكون الحكومة الموقتة للبلاد حتى الأول من آذار، ثم يُفترَض أن تتولّى حكومة جديدة زمام الأمور. وصرّح بأنّ الانتخابات لا يمكن أن تُجرى قبل 3 أو 4 سنوات لأنّ سوريا في حالة فوضى.
ويشرح أوروا عجوب، الباحث في جامعة مالمو في السويد ويَدرس «هيئة تحرير الشام»، أنّ تاريخ الشرع يشير إلى أنّه مدفوعٌ بالسعي وراء السلطة أكثر من كونه متمسّكاً بقناعاتٍ جامدة: «تغيّر كثيراً، إنّه صادق في التغيير. من ناحية، لديه براغماتية مشجّعة تمنحك بعض الأمل. لكن من ناحيةٍ أخرى، هناك مدى استعداده للذهاب بعيداً للبقاء في السلطة مُخيف».