اخبار لبنان
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١٢ أيلول ٢٠٢٥
خرج البلد من الأسر ولم يعد ممكناً ترك السلاح وقرار الحرب والسلم في يد حزب أيديولوجي مذهبي مرتبط بولاية الفقيه
سحب السلاح من 'حزب الله' ليس مجرد قرار اتخذه مجلس الوزراء اللبناني، ورفض 'الثنائي الشيعي' تسليم السلاح ليس مجرد تعبير عن موقف معارض، هو حق سياسي لأي طرف في النظام الديمقراطي، فلا دولة من دون حصرية السلاح بيدها وما سماه ماكس فيبر 'احتكار العنف الشرعي'.
أول ما يعنيه تمسك 'حزب الله' وحركة 'أمل' بالحفاظ على السلاح خارج الشرعية هو إطلاق النار على العمل في ورشة بناء الدولة، أما الاعتراض على تكليف الجيش إعداد خطة لسحب السلاح، ثم على أي برنامج زمني للخطة، كما على الموافقة على الخطة، فإنه يتجاوز التصرف كأن الدولة مجرد طرف مقابل 'الثنائي الشيعي'، وكأن قرار الأكثرية الممثلة لبقية الطوائف هو 'الخطيئة الوطنية' وليس رفضه.
أما المعركة التي لا تزال في إطار القصف الخطابي والتهديد بحرب أهلية، فإنها صورة في مشهد أوسع هو التحولات المتسارعة في المنطقة والفرصة التي فتحتها أمام لبنان واللبنانيين، وسط رهان 'الممانعة' على الوقت، وتوهم القدرة على كسر موجة التحولات الهائلة، واستمرار اللعب بقواعد اللعبة القديمة.
ذلك أن الدعوة إلى الحوار بعد القرار وخطة الجيش هي إخراج أرنب ميت من كم الساحر الذي استنفد كل ألعابه. و'المظلومية الجديدة' في لبنان بعد المظلومية التاريخية هي الخوف من نقصان الهيمنة التي يمارسها 'الثنائي الشيعي' على السلطة بكل مفاصلها، لا ادعاء 'خطر وجودي' على الشيعة، فلا أحد يقلل وزنهم ودورهم في الوطن الصغير، فضلاً عن أن أي خطر وجودي يكون على اللبنانيين جميعاً، ولا حماية لهم منه إلا بالدولة التي خرجت من مرحلة الخطر الوجودي عليها وعلى البلد منذ حرب لبنان، وبدأت توسع نافذة الفرصة المفتوحة أمامها أخيراً.
والواقع أن 'الثنائي الشيعي' ينظر إلى مسألة السلاح من زاوية ضيقة وأخرى واسعة، فمن الزاوية الضيقة، حيث السلاح هو 'روحنا' حسب 'حزب الله'، و'شرفنا' حسب زعيم 'أمل' الرئيس نبيه بري، يراد تصوير السلاح على أنه ضمان لدور الطائفة الشيعية ومكاسبها وما حققته بقوة السلاح والوصاية السورية والإيرانية، وهذا استهانة بوقوف السنة والدروز والمسيحيين وراء قرار مجلس الوزراء، وبإعلان الدولة حماية جميع المواطنين، ومن الزاوية الواسعة تظهر صورة الخطر الإسرائيلي على لبنان، وهو خطر جدي، بصرف النظر عن كون الاحتلالات الإسرائيلية للوطن الصغير حدثت خلال هيمنة الفصائل الفلسطينية على البلد تحت عنوان الكفاح المسلح لتحرير فلسطين، وخلال 'حرب الإسناد' التي بدأها 'حزب الله' دعماً لغزة.
وصورة الخطر الإسرائيلي تبدو على شاشة كبيرة هي مشروع 'ولاية الفقيه' الذي كانت بدايته مشروع إيران الإقليمي في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.
وما ثبت في 'حرب الإسناد' هو أن سلاح 'حزب الله' عاجز عن ردع العدو وحماية نفسه وقادته وبيئته ولبنان، والمؤكد حالياً هو أن المشروع الإقليمي الإيراني تلقى ضربة قاصمة في سوريا، وضربة قوية في كل من غزة ولبنان، ويواجه حسابات صعبة في العراق، ولن ينقذه دور الحوثيين في صنعاء العاجزة عن حماية نفسها من الطائرات الإسرائيلية، ولا أحد يعرف إن كانت الضربة الأميركية والإسرائيلية لإيران سوف تتكرر، لكن الجميع يعرفون أن التحولات الإقليمية جرفت 'محور المقاومة' و'وحدة الساحات'، وكسرت ظهر المشروع الإقليمي الإيراني.
بكلام آخر، فإن 'حزب الله' يتمسك بسلاح لا يستطيع استخدامه، لا ضد إسرائيل لأنه يخسر، ولا في الداخل لأنه يخسر، وما يقوم به هو نوع مما يسميه الخبراء العسكريون 'القتال التراجعي'، وهو قتال سياسي وتحريضي حتى إشعار آخر.
لكن مجلس الوزراء لا يستطيع التراجع عن القرار المدعوم للمرة الأولى في ظروف لبنان من أكثرية شعبية ورسمية وأكثرية عربية وأكثرية دولية، والمسألة هي طريقة التنفيذ على يد الجيش الخاضع للقرار السياسي، لا التنفيذ في حد ذاته.
وإذا كانت الأزمة أفضل من الحل السيئ الذي هو الخضوع لتهديد 'الثنائي الشيعي'، فإن ما نحن فيه حالياً هو أزمة تطبيق حل تاريخي جيد، لا أزمة الدوران حول الحل، والمثل الشعبي يقول 'لا تستطيع صناعة عجة من دون كسر البيض'.
وإذا كان رئيس الجمهورية جوزاف عون يدعو إلى 'حماية الوطن من شظايا البركان المتفجر في المنطقة'، ورئيس الحكومة نواف سلام يصر على تطبيق 'اتفاق الطائف' والبيان الوزاري وخطاب القسم، فإن لبنان لن يكون وحده إن لم يتردد ويتعثر في تنفيذ القرار، بحيث يتركه العرب والغرب لقدره، وسواء كانت إيران تتصرف على أساس أن سلاح 'حزب الله' والحفاظ عليه ورقة مهمة لها في اللعبة مع أميركا بالتفاوض على صفقة، أو بالقتال، أو كانت ترى أن 'الحزب' وسلاحه أهم من ورقة، فإن بيروت تسترد ورقة كانت تلعبها طهران على أكثر من طاولة في أكثر من مهمة سياسية وأمنية وعسكرية.
يقول الأمين العام لـ'حزب الله' نعيم قاسم في كتاب 'حزب الله: المنهج والتجربة'، 'نحن لا نتخذ قرار الحرب والسلم بأنفسنا، بل نعود فيه إلى الولي الفقيه الذي يحدد متى تكون المواجهة واجباً شرعياً'.
لكن لبنان خرج من الأسر، ولم يبق بالإمكان ترك السلاح وقرار الحرب والسلم في يد حزب أيديولوجي مذهبي مرتبط بولاية الفقيه، وتلك هي المسألة.
وقديماً قال أوغسطس قيصر 'اجعل التعجل بطيئاً'.