اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ١٧ أيلول ٢٠٢٥
كتب ناصر قنديل في 'البناء':
أمس كانت ذكرى 43 سنة على مجازر صبرا وشاتيلا، وكانت مناسبة لأخذ العبر والقول إن أطماع وتطلعات كيان الاحتلال في البلاد العربية لا تعبر عنها الأهداف المعلنة للحروب الإسرائيلية المتصلة بضرب حركات المقاومة، وإن ما كان صحيحاً عام 1982 عندما أكمل الاحتلال اجتياح الشطر الغربي من العاصمة اللبنانية بيروت، بعد خروج مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية وأسلحتها للبنان، فاضحاً كذبة الزعم القائلة إن هدف الحرب كان إخراج منظمة التحرير، هو هو اليوم حيث الشعار المعلن نزع سلاح المقاومة، وما سوف يحدث كلما زالت عقبة السلاح هو المزيد التوسّع الإسرائيلي، وهذا ما حدث عندما تمّ تدمير سلاح الجيش السوري، وهذا ما ينتظر غزة ولبنان إذا نجحت مساعي استهداف المقاومة وسلاحها.
يثبت كذلك أن التوسّع الإسرائيلي ليس مصدر الخطر الوحيد عندما يسقط السلاح، حيث المجازر هي ما ينتظر السكان العزل، لأن الاحتلال قائم على زرع الرعب والترويع وجرائم الإبادة ليست حدثاً طارئاً على سجله، وما جرى في بيروت قابل للتكرار في غزة وهو يتكرّر بصورة أخرى اليوم، لكنه سوف يصبح أشدّ وضوحاً وبشاعة إذا سقط السلاح، ويثبت كذلك أن الدول التي تتوهّم أنها بمنأى عن الاستهداف بمن في ذلك من يعقدون الاتفاقات مع الاحتلال سرعان ما تصرّح بعد سنوات من تضييع الفرص أنّها كانت ضحية وهم وان ما تحدّث عنه الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل عن الخبث الإسرائيلي وضرب عرض الحائط بالالتزامات والتعهدات سوف يكون خطاباً رسمياً عربياً في أي وقت قادم، وثبتت أيضاً صحة ما قاله الجميل متأخراً عن وهم الاعتماد على الضمانات الأميركية، وهو ما قالته مبكراً مجازر صبرا وشاتيلا، حيث منح الرئيس الأميركي رونالد ريغان ضمانته لحماية المدنيين الفلسطينيين بعد مغادرة منظمة التحرير وسلاحها، ويثبت أيضاً أيضاً أن لا وجود لما يسمى بالمجتمع الدولي عندما يتصل الأمر بردع “إسرائيل”، حيث الشجب والإدانة سقف ما يمكن أن يحصل عليه الضحايا.
ما أشبه اليوم بالأمس، ولو أن القمة العربية الإسلامية ترفض التصديق، لكن الحقائق لا تحتاج لمعرفتها إلى تحليل بل إلى قراءة التاريخ واستعادة الذاكرة، وهذا هو عنوان الحراك العالمي الذي دعت إليه شبكة أهلية تطوعية عالمية تحمل اسم كلنا غزة كلنا فلسطين، نجحت أمس، بإشراك آلاف النشطاء عبر أكثر من مئة مدينة لإحياء المناسبة عبر إضراب عالميّ عن الطعام تضامناً مع غزة، وحتى منتصف الليل كانت لا تزال مدن استراليا وكندا والأميركيتين توزّع الصور عن أنشطتها في عشرات المدن، وأمام البرلمانات والبلديات وفي ساحات عامة ومراكز أهليّة، من واشنطن إلى نيويورك ولوس أنجلوس وسان فرانسيسكو إلى أوتاوا ومونتريال وأونتاريو وقبلها كانت اسكتلندا وفرنسا وألمانيا والسويد وإسبانيا وإيطاليا ومدن أوروبية عديدة، تزهو بأعلام فلسطين، عدا مئات الذين أحيوا الإضراب من منازلهم وهم ينشرون صور مشاركاتهم مرفقة بعبارات التضامن.
المفاجأة الكبرى كانت في الوطن العربيّ الذي اعتبر الغائب الأكبر عن الحراكات العالميّة السابقة، وبينما حافظت تونس والمغرب وفلسطين على دورها الرياديّ وفي كل منها مئات النشطاء في عشرات المدن قاموا بالإحياء المنظم والحاشد، واستعادت بيروت تألقها بإحياء حاشد منظم وجامع لشرائح المجتمع اللبناني. ونخبها، لتكون سورية حاضرة بمستوى يُعيد لها مكانتها في الحساب الفلسطيني بعد غياب، ويطلّ العراق بحضور واسع، وتحتلّ مصر والأردن مكانة مميزة بنهوض الأحزاب الوطنية والقومية واليسارية والإسلامية بمسؤوليتها تجاه غزة، وقد كانت الصور الواردة من القاهرة وعمان مؤثرة لما قدّمته من حضور قيادات من مختلف التيارات جمعتها فلسطين.
ما بدأ أمس، يتجدد الثلاثاء القادم، مع افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نداء قانونيّ جامع لإعادة العمل بالقرار 3379 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975 والذي يعتبر أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية، والذي تمّ الغاؤه عام 1991 مشرعاً الباب لملاحقة كل من يناهض الصهيونية بتهمة العداء للسامية، وفي الضغط على الجمعية العامة للأمم المتحدة لإقرار مدونة سلوك قانونية تحت عنوان أخلاقيات الذكاء الصناعي بما يمنع استخدام هذه التقنية الهائلة الإمكانات لخير البشرية كأداة للقتل والجريمة وقد وضعت الشركات المنتجة تقنيات الذكاء الصناعي منتجاتها في خدمة جريمة الإبادة الصهيونية بحق شعب فلسطين، ويقود هذا الحراك علماء ومبتكرون استقالوا من مناصبهم القيادية في كبريات الشركات العالمية احتجاجاً على تواطؤ هذه الشركات في التغطية على الاستخدام الإجرامي للذكاء الصناعي.
الحرب تراوح مكانها ولن يتمكن الاحتلال من ربحها، مهما دعمته أميركا ومهما تخاذلت القمم العربية والإسلامية، فقد ظهر أن المقاومات رغم جراحها البليغة لا تزال ومعها مؤيدوها من شعبها على توفير النصاب اللازم لمنع الاحتلال من الانتصار، والاحتلال عاجز عن الخروج من الحرب دون انتصار، ما يعني المزيد من التوحّش والجرائم، ويفتح الطريق أمام شعوب العالم وأحرار العرب لفرض معادلة العقوبات الشعبية، كما تخطط شبكة كلنا غزة كلنا فلسطين لخطواتها اللاحقة، مستنيرة بالخبرة التي راكمتها مجموعة bds التي قادت حركة المقاطعة المتعاظمة عبر العالم.
نحن في “البناء” نستطيع القول بفخر، كنّا هناك.