اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ١٢ أيلول ٢٠٢٥
تجسّد أعمال الفنان الفلسطيني Kamal Boullata «كمال بلاطة» عمق الهوية للشعب الفلسطيني ورؤيته لمستقبل أرضه. لكن، ما يميّز كمال بلاطة عن غيره من الفنانين الفلسطينيين هو الأسلوب التجريدي والرمزي الذي يتبعه، وهو أسلوب يتجاوز الوقائع السياسية إلى آفاق أوسع من التأمّل الفلسفي والجمالي المتنوّع. في لوحاته، لا يسعى بلاطة فقط إلى نقل الواقع الفلسطيني، بل يطمح إلى فتح نوافذ على الخيال والرمز، مما يجعل أعماله تتسم بالثراء والتنوّع المعنوي. ففكرة التحوّل والانسياب في أعماله غالباً، حيث تتغيّر الألوان كما تتغيّر الحالات الإنسانية أو الطبيعية. قد يوحي بتعاقب لحظات النهار والليل، أو بجدلية الهدوء والانفعال. كما أن غياب المركز يوحي برؤية مفتوحة للعالم، حيث المعنى لا يُختزل في نقطة ثابتة بل يتوزع عبر شبكة من العلاقات. فهل كل هذا في أعماله يعبّر عن الواقع؟
يجمع كمال بلاطة بين الرمزية والتجريد الهندسي، محوّلًا المشاعر الإنسانية العميقة إلى صور وأشكال مجردة، بعيدة عن التفاصيل الواقعية أو التوثيق المباشر. هو لا يسعى لتوثيق معركة على الأرض، بل لتحويل المشهد إلى معركة في العقل والروح. لوحاته مليئة بالخطوط الهندسية، الأشكال المتداخلة، والألوان المترابطة بطريقة غير تقليدية، ما يعطي للمشاهد شعوراً بالتحرر من التفاصيل المرهقة للواقع اليومي. فالفنان بلاطة لا يقدّم «صوراً» بقدر ما يقدّم «أحاسيس» و«معاني» تترك أثراً عميقاً في المتلقّي.
تستخدم لوحاته الألوان الفاتحة والغامقة بشكل متوازن، فالأزرق، الأحمر، الأسود، والأصفر، هي الألوان التي يتنقل بينها بلاطة بحرية، مما يعكس الأبعاد العاطفية المتغيّرة من حالة إلى أخرى. لكن على الرغم من هذه الألوان المتباينة، لا تخرج لوحاته عن سياق الوحدة الداخلية والتكامل بين الألوان والأشكال، وهو ما يعكس القوة الداخلية للمجتمع الفلسطيني وأمل العودة والحرية رغم الألم والشتات. فهل لوحاته تدفعنا إلى تأمّل في الواقع الفلسطيني؟
الرمزية في أعمال كمال بلاطة لا تأتي فقط من خلال الأشكال التجريدية، بل تتجسّد في المكوّنات التي تختزن في طياتها معانٍ عميقة. على سبيل المثال، قد تظهر في لوحاته أشكال تشبه الأسوار أو الجدران، وهو ما يمكن أن يُفهم على أنه تمثيل للمقاومة ضد الاحتلال أو لقيود التشرّد. من خلال هذه الأشكال، يحاول بلاطة تمثيل العزلة والتحدّيات التي يواجهها الشعب الفلسطيني في رحلة نضاله المستمرة.
كما أن الأسطح المتقطعة أو المتداخلة التي تظهر في بعض أعماله قد تفسر كرمزية للهوية الفلسطينية الممزقة بين الشتات والوطن. هذه الأعمال لا تعبّر عن الانكسار، بل عن القوة الكامنة في المقاومة والحفاظ على الهوية في وجه التحدّيات. من خلال هذه الرموز، يعكس بلاطة تطلّعات الشعب الفلسطيني في إعادة بناء الذات الوطنية، ليس من خلال العودة إلى الماضي فحسب، بل أيضاً من خلال إعادة صياغة المستقبل. فهل المرأة في لوحاته هي رمز للوجود والتمرّد؟
لا تخلو أعمال كمال بلاطة من حضور قوي للمرأة، التي غالباً ما تظهر في لوحاته كرمز للثبات والصمود. في العديد من لوحاته، تظهر المرأة بأشكال تجريدية تحاكي القوة الداخلية والصلابة التي يتحلّى بها المجتمع الفلسطيني. على الرغم من أن شكل المرأة ليس واضحاً دائماً، إلّا أن الحضور الأنثوي في أعماله يتخذ بُعداً رمزياً، حيث يتمثل في الأشكال التي تشبه الأثداء، الأقواس، أو الأشكال اللولبية التي تشير إلى القوة الخفية التي تمدّ الحياة بالاستمرار والخلود. المرأة في لوحات بلاطة هي أيضاً رمز للتمرّد، تمرّد على التقليد، تمرّد على الاحتلال، وتمرّد على الظروف القاسية التي يواجهها الفلسطينيون. قد تكون في لوحاته رمزاً للمعاناة، لكنها أيضاً تعبير عن النهوض والتجدّد، مثلما هو الحال في الواقع الفلسطيني الذي يصرّ على البقاء رغم الهدم المستمر. إلّا أن ريشته تميل نحو التجريد الهندسي بقوة فهل تحقق أماني الفلسطينيين بالحرية والاستقلال؟ وهل الأشكال الحديثة مع الرموز التقليدية، مثلما يظهر في تكرار الأشكال الهندسية تعكس العمق التاريخي للأراضي الفلسطينية؟ وهل كل هذا هو نوع من مقاومة رمزية ضد الاحتلال. في لوحاته؟ وهل لوحاته وليدة التحدّي والتجديد المستمر؟