تحدي المسيرات الأكثر ذكاءً بين المقاومة و"إسرائيل"

تحدي المسيرات الأكثر ذكاءً بين المقاومة و'إسرائيل'

ان تُطلق المقاومة مسيراتٍ تحمل متفجرات وتنقض على موقع إسرائيلي المستنفرة كل قواه ، والمعد برادارات واجهزة استشعار واسعة، يعني أنّ المقاومت استطاعت أن تتخطى كل تلك التكنولوجيا الحامية للموقعي في مزارع شبعا.

المسيّرة أو الطائرة بدون طيار هي نوع من الطائرات التي يمكن توجيهها عن بعد أو برمجتها مسبقًا لتنفيذ مهام محددة. تُستخدم هذه الطائرات بشكل رئيسي لحمل أجهزة مثل الكاميرات أو حتى الأسلحة. يُمكن العثور على استخدامها الأساسي في الأغراض العسكرية مثل المراقبة والهجوم.

ومع ذلك، شهد استخدامها توسعاً في الأعمال المدنية، مثل مكافحة الحرائق ومراقبة خطوط الأنابيب، حيث تستخدم في المهام الصعبة والخطرة بدلاً من الطائرات التقليدية. تمثل ميزة كبيرة في تقليل التكاليف والمخاطر بالنسبة للطائرات التي تحتاج إلى طيارين حضوريين، حيث يمكن التحكم في الطائرة بدون طيار من موقع آمن وبعيد.

بدأت أول تجارب عملية لهذه الطائرات في إنجلترا عام 1917، ومن ثم تطورت في عام 1924 لتصبح أهداف متحركة للمدفعية. تطوّرت هذه الفكرة بعد سقوط طائرة التجسس الأميركية U-2 فوق روسيا في عام 1960 ومشكلة الصواريخ الكوبية في عام 1962.

أول استخدام فعلي للطائرات بدون طيّار في سياق الحرب كان خلال حرب فيتنام. ومع ذلك، لم تحقق النتائج المرجوة في ذلك الوقت بسبب قيود التكنولوجيا المحدودة وتواجد الصواريخ الأرضية المصرية.

أنواع المسيرات

يُمكن تقسيم الطائرات بدون طيار من حيث القيادة والمهام التي تقوم بها إلى نوعين رئيسيين:

1- الطائرات المتحكم فيها عن بعد: تكون هذه الطائرات تحت التحكم البعيد ويتم التحكم فيها من قبل طيار آدمي عن بُعد. مثال على ذلك هو طائرة الـ 'بريداتور' (Predator).

2- الطائرات ذات التحكم الذاتي: تستند هذه الطائرات إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل الشبكات العصبونية والبرمجيات المتقدمة لاتخاذ القرارات ومعالجة البيانات بشكل ذاتي. مثال على هذا النوع هو الطائرة X-45 المصنوعة من قبل شركة بوينغ.

مهام المسيّرات

تُستخدم هذه الطائرات في مجموعة متنوعة من المهام، بما في ذلك:

· اكتشاف الأهداف الجوية على جميع الارتفاعات وتوجيه القوات.

· قيادة وتوجيه العمليات العسكرية للمقاتلات الاعتراضية.

· تقديم المعلومات اللازمة لتوجيه الصواريخ الجوية/الأرضية.

· متابعة وتوجيه القاذفات والطائرات المعاونة.

· إجراء عمليات الإنقاذ.

· الاستطلاع البحري.

· تقديم المعلومات لمراكز العمليات والقوات البرية.

· تنظيم التحركات الجوية والقيادة في الحروب والصراعات.

تطور هذا النوع من الطائرات باستمرار ويتم استخدامه في سياقات مدنية وعسكرية متعددة لأغراض مختلفة.

إلى ذلك، فإنّ نظام التشغيل للطائرات بدون طيار تتيح إمكانية التحكم فيها وتنفيذ مهامها بفعالية. تشمل هذه النظم:

· أدوات التحكّم: تُستخدم للتحكّم في الطائرات التي تطير لمسافات قريبة. يمكن التحكم بها عبر أدوات مختلفة وباستخدام موجات الراديو.

· الاتصال عبر الأقمار الاصطناعية: للطائرات التي تطير لمسافات بعيدة، يتم التحكم بها عن طريق الأقمار الاصطناعية، مما يضمن استمرارية الاتصال اللاسلكي معها.

· تحديد مسار الرحلة: غالبًا ما يتم تحديد مسار الرحلة مسبقًا، حيث يمكن للطائرة توجيه نفسها ذاتيًا بناءً على الإحداثيات المحددة سلفًا.

· استخدام نظام تحديد الموقع 'جي بي أس' (GPS): يمكن للنظام العالمي لتحديد الموقع 'GPS' تحديد مكان الانطلاق وضمان عودة الطائرة تلقائيًا إلى نقطة الانطلاق إذا كان ذلك مطلوبًا.

· أجهزة الاستشعار: تشمل الكاميرات الضوئية والكاميرات التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء وأنظمة الرادار. تعمل هذه الأجهزة على اكتشاف التحديات وإرسال المعلومات إلى الطيار الأرضي، الذي يمكنه تفادي التصادمات بمساعدة نظام الطيران الآلي.

المسيّرات الإسرائيلية

سلاح الجو الإسرائيلي يمتلك مجموعة من الطائرات المسيرة بأحجام مختلفة. تم استخدام هذه المسيرات للمرة الأولى ضد المقاومة الفلسطينية بعد الانتفاضة الثانية في عام 2000. منذ ذلك الحين، استمرت الصناعات الجوية العسكرية الإسرائيلية في تطوير وتحسين هذه المسيرات.

في عام 2006، وفي أيام عدوان تموز/ يوليو، استخدم الجيش الصهيوني العديد من المسيّرات التي غالباً ما كان مهامها استطلاعيا أكثر من هجومياً.

ولكن برز في الأيام الـ 10 الأخيرة من الحرب، استخدام هذه المسيّرات لمهامات قتالية حيث كانت ترمي صواريخ على أهداف لبنانية يُعتقد أنه يتم تحديدها من خلال بث الصور التي تبحثها مباشرة هذه المسيّرات.

في بداية عام 2022، وافق الجيش الإسرائيلي على استخدام الطائرات المسيّرة لتنفيذ هجمات داخل ما اسموه 'أراضي العدو'.

تم الاعتراف بأنه تم استخدام مسيّرات 'هيرمس' من وحدة 'زيك' في عمليات اغتيال وهجمات داخل قطاع غزة. تم أيضًا تنفيذ إجراءات 'طرق على السطح' لتجنب الغارات والهجمات من قبل مقاتلات سلاح الجو الإسرائيلي.

بعد 'طوفان الأقصى'

اليوم، وبعد عملية طوفان الأقصى الفلسطنية، برز استخدام سلاح الجو الإسرائيلي للمسيّرات ذات التحكم الذاتي، أي تلك التي تحدد الهدف أوتوماتيكيا وتقصفه. وقد بدا ذلك واضحاً من خلال نوعية الضربات الإسرائيلية على أهداف تابعة للمقاومة اللبنانية، التي زفّت عدداً من الشهداء غالبيتهم قضوا كأهدافٍ لتلك المسيرات.

المسيرات وتطور دقتها

اعتماد المسيرات ذات التحكم الذاتي على تقنيات الذكاء الاصطناعي يمثل تقدمًا هامًا في تطوير هذه الأنظمة. تمكن تقنيات الذكاء الاصطناعي الطائرات المسيرة من اتخاذ قرارات ذكية بشكل أكبر وأكثر تحسساً للبيئة المحيطة بها. بفضل هذه التقنيات، يمكن للمسيرات أن تقوم بمهام معقدة مثل الاستشعار والتعرف على الأهداف واتخاذ الإجراءات المناسبة بناءً على البيانات المستقاة من مستشعراتها.

تقنيات الذكاء الاصطناعي تمكن أيضًا المسيرات من القيام بمهام تفسير البيانات واتخاذ القرارات بشكل ذاتي، ما يجعلها قادرة على العمل في بيئات معقدة دون الحاجة إلى تدخّل بشري مستمر. هذا يزيد من قدرتها على تنفيذ مهام متعددة وتحقيق أداء متميز.

من هنا إنّ اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي في المسيرات ذات التحكم الذاتي يعزز من فعاليتها وقدرتها على التكيف مع مجموعة متنوعة من المهام، مما يجعلها أداة قيمة في مجالات مثل الاستطلاع والمراقبة، والأمن والدفاع، وحتى التسليم والتوصيل الذاتي.

من جهة أخرى، تعتبر زيادة كمية البيانات تلعب دورًا مهمًا في زيادة الدقة في نماذج الذكاء الاصطناعي. هذا المبدأ يعرف عادة بمصطلح 'البيانات الكبيرة' أو 'التعلم من البيانات الضخمة'. كلما زادت كمية البيانات المستخدمة لتدريب نموذج الذكاء الاصطناعي، كلما زادت الدقة والأداء العام لهذا النموذج.

تعزيز قدرة النموذج

البيانات الإضافية تساعد في تعزيز قدرة النموذج على فهم الأنماط والاعتمادات في البيانات والقيام بالتنبؤ بشكل أفضل. تسمح هذه البيانات الإضافية بتوسيع تصنيفات النموذج وتقليل الأخطاء. ببساطة، كلما كان لديك مزيد من البيانات المتنوعة والشاملة، كلما زادت قدرة النموذج على التعلم والأداء بفعالية.

من هنا، يعتبر جمع كميات كبيرة ومتنوعة من البيانات واستخدامها لتدريب نموذج الذكاء الاصطناعي خطوة أساسية للوصول إلى دقة عالية وأداء ممتاز. هذا ينطبق على مجموعة متنوعة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك التعلم العميق والتعلم الآلي والشبكات العصبية.

فاذاً، جمع كميات كبيرة ومتنوعة من البيانات واستخدامها لتدريب نموذج الذكاء الاصطناعي يؤشر بشكل مباشر في تطور دقة خوارزميات الذكاء الاصطناعي، وهذا ما فعلته أجهزة الكيان الغاصب بالخوارزميات المطبقة في مسيراتها.

المسيرات الذكية ذات التحكم الآلي خطيرة جداً لدقتها العالية، ولكن هل يمكننا تضليلها؟

بالتأكيد، من خلال اعتماد مسلك وطرق ومناهج غير تلك التي اعتمدت عليها خوارزميات هذه المسيرات. ومن خلال فقط قراءة النتائج الميدانية في جنوب لبنان، نرى أنّ وتيرة العمليات العسكرية للمقاومة قد ارتفعت عكس وتيرة عدّاد الشهداء.

من دحر جيشاً عجزت عنه جيوشٌ من الأمة قاطبةً، ليس فقط بالعديد والعتاد إنما بإعداد علميٍ مشهودٍ ومميز. هؤلاء لا تعجزهم تقنيات وتحديثات الذكاء الاصطناعي، فمستوى مثابريه على قدر الذكاء الطبيعي لتحدي اي ذكاء اصطناعي يصادفونه.

بين 'إسرائيل' والمقاومة.. معركة جمع البيانات

تقول التقارير المختلفة أن الجيش الصهيوني واستخباراته من الحرب الدائرة في سوريا من رصده لحركة المقاومة اللبنانية في الميادين، اذ جمع عدد من الصور والفيديوهات.

إلكترونيا، استفاد العدو من البيانات المهولة المجمعة من حرب سوريا لتدريب خوارمياته، بغية تحليل مسلك المقاوم ومنهجية تفكيره وتخطيطه. فبذلك عندما ترصد المسيرة شخصاً ما، ستحاول تطبيق تلك الخوارزميات لتوقع ما اذا كان مسلك هذا الشخص مقاوماً ام لا.

في الجهة المقابلة، تمكنت المقاومة من خلال نجاحاتها الاستخباراتية أيضاً، من جمع كم كبير من البيانات عن قواعد الاحتلال، وكذلك تكنولوجيا المراقبة فيها، وبالتالي تجاوزها. أثبتت المقاومة في ملف حقل 'كاريش'، أنها قادرة على إرسال المسيرات ومتابعتها بما يتجاوز تكنولوجيا الاحتلال الدفاعية، ولا ننسى أن واحدة من المسيرات الثلاثة التي أطلقت باتجاه حقل كاريش آنذاك، لم تسقط أبداً، واستمرت في المسير إلى أن سقطت لوحدها.

مسيرات المقاومة و ما بعد يوم 2/11/2023

أعلنت المقاومة اللبنانية يوم الخميس 2/11/2023 استهدافها مقر قيادة الكتيبة الإسرائيلية في مزارع شبعا المحتلة بطائرتين مسيّرتين هجوميتين مليئتين بالمتفجرات أصابتا أهدافهما بدقة وذلك في تطور ميدانيٍ بارز.

من هنا، ومع يقيننا بالوعي والتقدم العلمي لرجالات المقاومة في ميدان العلم والحرب، نوجز بأنّ ما يصنعوه يثبت أنّ ما لديهم من تقنيات في المسيرات الحربية قادرة على التوغل والضرب في العمق الإسرائيلي مع كل ما يملك من أجهزة استشعار ورادارت ذكية.