بين الهوية والنفوذ.. "الحزب" يربط بقاءه السياسي بسلاحه

كتب زياد سامي عيتاني في 'اللواء':

في خطوة أثارت جدلاً واسعاً داخل لبنان وخارجه، أطلعت الحكومة اللبنانية مطلع الشهر الجاري على خطة الجيش لحصر السلاح بيد الدولة، مع تركيز خاص على سلاح حزب الله. هذه الخطة تأتي في إطار الضغط الأميركي المعروف بـ«ورقة برّاك»، الذي يربط المساعدات الدولية للبنان بتنفيذ خطوات ملموسة نحو نزع سلاح الحزب قبل نهاية العام.

إلّا أن حزب الله أكد موقفه الواضح بأن السلاح جزء من استراتيجية البقاء السياسي والحماية الأمنية، ولن يُسلَّم تحت أي ضغط خارجي.

• أسباب تمسّك الحزب بسلاحه

لفهم هذا الموقف، لا بد من تحليل الأسباب التي تجعل الحزب متمسّكاً بسلاحه:

1. السلاح كضمانة للبقاء السياسي:

يعتبر حزب الله أن سلاحه ليس مجرد أداة عسكرية، بل ركيزة لوجوده السياسي. من وجهة نظر الحزب، نزع السلاح يعني إضعاف قدرته على التأثير في القرارات الداخلية وحماية مصالحه السياسية. والتصريحات العلنية لقيادته تؤكد أن الحزب يرى في السلاح «خط الدفاع الأول عن مكتسباته السياسية»، وليس مجرد أداة قتالية.

2. الدفاع عن لبنان ومواجهة إسرائيل:

يشدّد الحزب على أن السلاح ضروري لمواجهة أي تهديد خارجي، خصوصاً الإسرائيلي، معتبراً أن أي تنازلاً عن ترسانته سيضع لبنان في موقع ضعف أمام أي عدوان محتمل. فالأمين العام للحزب نعيم قاسم، صرّح أن المقاومة جزء من الدستور وميثاق العيش المشترك، ما يضع السلاح ضمن البنية القانونية والاجتماعية للبنان، بحسب رؤيته.

3. الأبعاد الإقليمية والدعم الإيراني:

من المعروف أن حزب الله يتلقّى دعماً عسكرياً وسياسياً ومالياً من إيران، ويعتبر سلاحه أداة ضغط على القوى الإقليمية والدولية. لذلك، أي خطوة لإضعافه قد تُفسر على أنها استهداف لدور إيران في المنطقة، ما يجعل الحزب أكثر تشدّداً في موقفه. كما أن مشاركة إيران في تزويده بالسلاح والتدريب تمنحه شعوراً بالغطاء الاستراتيجي الذي يحمي موقفه الداخلي.

4. التاريخ والنشأة: المقاومة رمزاً اللهوية:

منذ نشأته في ثمانينيات القرن الماضي، شكّل حزب الله نفسه كتنظيم مقاوم ضد الاحتلال الإسرائيلي، وجعل المقاومة ركيزة لهويته. السلاح، بحسب الحزب، ليس فقط وسيلة مواجهة عسكرية، بل رمز للنفوذ السياسي والتمثيل الإقليمي. أي محاولة لحرمانه من ترسانته تُعتبر مسّاً بالهوية وتهديداً لشرعيته التاريخية.

5. ضمان النفوذ الداخلي وإعادة التوازن:

وجود السلاح يتيح للحزب الحفاظ على نفوذه داخل لبنان، وضمان التوازن مع القوى السياسية الأخرى، بما في ذلك الجيش والدولة. أي نزع للسلاح من دون اتفاق شامل سيضع الحزب في موقع ضعف داخلي، ويقلل من قدرته على التأثير في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.

6. الموقف الداخلي والدعم السياسي:

رئيس مجلس النواب نبيه بري دعا إلى معالجة قضية السلاح ضمن حوار لبناني شامل، بعيداً عن الضغوط الخارجية، ما يعكس أن الحزب لا يواجه معارضة داخلية قاطعة، بل يجد حلفاء داخل الحكومة يفضّلون التفاوض على مراحل. هذه البيئة السياسية تمنحه فرصة لتعزيز موقفه الرافض للتنازل.

7. الموقف العربي والدولي:

الدول العربية تتوزع بين دعم خطوات الدولة اللبنانية وبين تجنّب التصادم مع الحزب. السعودية ودول خليجية أخرى تدعم حصر السلاح، بينما قطر ومصر والأردن يفضّلون الحوار وتخفيف الاحتقان.

على الصعيد الدولي، الولايات المتحدة تربط المساعدات بنزع السلاح، وإسرائيل تعتبره تهديداً وجودياً، وإيران تدعمه لتعزيز نفوذها. هذا التداخل الدولي يعزز موقف الحزب الرافض للتنازل، لأنه يرى أي خطوة أحادية كتهديد مباشر لمصالحه وللأمن اللبناني من وجهة نظره.

• تداعيات التمسّك بالسلاح

تمسّك حزب الله بسلاحه قد يؤدي إلى:

– توتر محتمل مع الجيش إذا حاولت الدولة فرض الخطة بالقوة.

– استمرار الانقسام السياسي الداخلي بين القوى المؤيدة والمعارضة.

– ضغوط اقتصادية، بسبب ربط الدعم الدولي بملف نزع السلاح.

– انعكاسات على استقرار لبنان الاجتماعي والأمني في حال تصاعد الصراع السياسي.

الخلاصة، رفض حزب الله تسليم سلاحه لا يمكن اختزاله في موقف سياسي عابر، بل هو مزيج من اعتبارات استراتيجية، تاريخية، وأمنية. السلاح يمثل ضمانة للبقاء السياسي، وسلاح ردع ضد إسرائيل، وأداة للحفاظ على نفوذه الداخلي، ورمزاً لهويته ومشروعه الإقليمي.