أرز و"فزّ" و… قدّيس

أراقب، من خارج لبنان هذه المرّة، ما يشهده هذا البلد. هنا، حيث أمضي عطلتي الصيفيّة، عشرات آلاف السيّاح يتقاطرون يوميّاً، ويصطفّون أحياناً وقتاً طويلاً ليحظون بكوبٍ من الـ جيلاتو، أو البوظة الإيطاليّة، والمطاعم مزدحمة والمتاجر تضيق بزبائنها…في لبنان، عدد السيّاح قليل، والبلد في أزماتٍ، بالجملة، وجيرانه يتقاتلون، والسلاح لم يُسلّم، والسلام لم يُكرّس. ومع ذلك، فالمشهد غريبٌ عجيب، كحال هذا البلد.

تتيح مواقع التواصل الاجتماعي مراقبة الناس، من دون أن نموت همّاً. أراقب الناس والبلد. نهاية أسبوعٍ لبنانيّة مليئة بالمهرجانات والحفلات، وقرى تعجّ بأهلها، وشواطئ ومسابح تستلقي فيها الحسناوات تحت شمس تمّوز التي تزيد الأجساد اسمراراً، بينما تحرق الأجساد قلوب بعض القرّاء الضعيفة.وفي عطلة نهاية الأسبوع، وَفَت ستريدا جعجع بما وعدت. وحدها أشجار الأرز لم تتراقص ليل السبت، فالعرض خلّاب والتنظيم مدروس، ككلّ ما تفعله ابنة بشري التي تعشق التفاصيل، وفيها، ليس الشياطين، بل الدقّة والـ ممنوع الغلط.ومن الأرز، إلى الفيديوهات الكثيرة التي شاهدتها من ملاهٍ ليليّة وحفلات ومسابح صدحت فيها الموسيقى، من الألوان كلّها، والفزّ كان حاضراً مع الموسيقى الغربيّة، ومالت الخصور، من مختلف الأحجام، مع الموسيقى العربيّة. وبعض السهرات استمرّ حتى الصباح.وفي المطاعم، أيضاً وأيضاً، زحمةٌ واستقبالٌ حسَن ولقمة شهيّة وكاسك، وعائلات يجتمع بعضها بعد أن فرّقته الغربة. الله يلعن الغربة كانت تقول جدّتي، التي رحلت من دون أن تدرك حجم تحويلات المغتربين وتأثيرها في اقتصاد بلدٍ ظلّ لعقودٍ مثل السفينة المثقوبة، بين هدرٍ وفسادٍ، وما يزال، للأسف.وفي نهاية الأسبوع، عيد مار شربل، القدّيس الذي، كلّما سألك أحدهم في روما من أين أنت، وقلت له من لبنان، علّق على الفور من عند مار شربل. كانت صورة القدّيس حاضرة على مواقع التواصل الاجتماعي في اليومين الماضيين، ومعها صلوات وترانيم، ومشهدٌ رئاسيّ في عنايا التي حجّ اليها عشرات الآلاف، كما في بقاعكفرا، حيث بدأ المشوار ويستمرّ مع قدّيسٍ تخطّى لبنان شفاعةً وتخطّى المسيحيّة إيماناً.

هي ليست مجرّد عطلة نهاية أسبوع. هو بلدٌ لا مثيل له. تشعر بأنّه آيل للسقوط ولا يسقط. وتظنّ بأنّ موته حان، ثمّ تدرك بأنّه عصيّ على الموت. هو، باختصار، لبنان. بجنونك بحبّك، كما تقول فيروز. وتضيف حبّة من ترابك بكنوز الدني. اسألوا غالبيّة المغتربين…