اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ١١ تشرين الأول ٢٠٢٥
خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
يوجد حبل طويل من العبر والدروس يمكن الإفادة منه، حينما يراجع أي مراقب مجريات زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني يوم أمس إلى لبنان..
ومن العبر الشائعة الموجودة على حبل عبر العلاقات التاريخية اللبنانية السورية هناك أمر معروف ولا يحتاج إدراكه لا لذكاء اصطناعي ولا لذكاء فطري، وهو أن الوزير السوري الجديد وممثل الحكم السوري الجديد سيتحدث لدى أول زيارة له للبنان عن 'أهمية النظر إلى المستقبل'؛ وعن ضرورة فتح 'صفحة جديدة' لا تشبه الصفحة القديمة التي كانت قائمة على أيام 'العهد السوري البائد'؛ وأن يكون الحال بين لبنان وسورية مطابق لحقيقة أن 'البلدين شقيقين يجمع بينهما التاريخ والجغرافيا'..
والواقع أن هذه مصطلحات اعتاد أي مسؤول سوري يمثل حكماً جديداً وصل للسلطة للتو في دمشق أن يرددها في أول زيارة له للبنان أو أن يرددها أمام أول زيارة لمسؤول لبناني لسورية في عهدها الجديد.
ولا تعني هذه الملاحظة أن هذه المصطلحات لا تعبر بدقة عن واقع الحال التاريخي بين لبنان وسورية الشقيقين واللذين بينهما تاريخ وجغرافيا متصلة؛ ولكن هذه المصطلحات التي يتم ترديدها في كل مرة يستلم فيها انقلابيون جدد الحكم في سورية؛ إنما تعبر أيضاً عن أن الحال بين لبنان وسورية ليس متطابقاً مع واقع صلة التاريخ والجغرافيا بينهما.
وكون حال السياسة بين البلدين في مكان وواقع روابط التاريخ والجغرافيا في مكان آخر؛ فإن كلاً من بيروت ودمشق ترغبان بالتحدث مع تغير حال الحكم في سورية عن ضرورة فتح صفحة جديدة لا تشبه الصفحة التي كانت قائمة قبل آخر أول زيارة لمسؤول سوري يمثل الحكم الجديد في دمشق.
كتب ذات مرة ميشال أبو جودة يصف علاقات لبنان وسورية بأنها علاقات 'الخوة والأخوة'؛ ذلك أن الأخوة هي نتيجة لواقع قربى التاريخ والجغرافيا بينهما؛ بمثلما أن الخوة هي ثمن غالباً ما يدفعه الجار الصغير للجار الكبير.
والحق يقال أن كنه العملية الدبلوماسية والعلاقات الخارجية لا تحتاج لتحضير جداول أرقام الواردات والصادرات بين البلدين، الخ..؛ بل تحتاج أيضاً لبعد ثقافي أو لمفهوم ثقافي عنها؛ والبعض يقول أن الدبلوماسية هي كم كثير من الاقتصاد والسياسية وهي أيضاً كم أكثر من الثقافة. وهذا الأمر أكثر ما ينطبق على النظرة للعلاقة بين لبنان وسورية.
الحال الراهن يشي بأن السياسيين الجدد في سورية الذين يطلق عليهم اصطلاحاً جيل إدارة الرئيس أحمد الشرع (أو البعض يسميهم جيل تجربة إدلب)؛ هم بلا شك في خضم تجربة لعبة أمم صعبة وقاسية؛ ويمكن تفهم ما يكابدونه من مشاكل وعقبات؛ ولكن مع ذلك يمكن القول أن خبرتهم بملف العلاقة بين سورية الكبيرة والجيوسياسية الهامة ولبنان الصغير والعالمي الهام؛ لا تزال في بداياتها؛ ونفس الأمر يمكن تعميمه ولو بتحفظ على وزير الخارجية اللبناني.
وما يمكن تسجيله بالشكل كملاحظات على الزيارة الأولى لوزير خارجية الحكم الجديد في سورية للبنان؛ هو أن الطرفين يتصرفان بما يوحي أنهما يعتقدان أن هذه العلاقة هي 'بنت اليوم'؛ وأنهما يضعان حجر الأساس لبنائها لتكون على شكل رؤيتهما لها. والواقع أنه في كل مرة زار لبنان مسؤول سوري يمثل حكماً جديداً في دمشق كان يسود هذا الانطباع في لبنان وسورية بخصوص أن صفحة الماضي ستطوى وستبدأ بيروت ودمشق بفتح صفحة جديدة في علاقاتهما تشبه الحكم الجديد في سورية الذي تعلم من أخطاء سلفه أو الذي يريد أن يبرهن أنه لا يشبه سلفه.
.. غير أن الحقيقة هي في مكان آخر؛ ومفادها أن لبنان فينظرته لسورية سيظل لبنان سواء كان يحكمه نفوذ للمحور الإيراني أو المحور الأميركي أو غيرهما؛ كما أن سورية ستظل في نظرتها للبنان هي سورية سواء كان فيها الشيشكلي أو الأسد أو أحمد الشرع. فالقضية بالمحصلة هي عوامل اجتماع وجغرافيا وطبيعة نظرة كل من البلدين لذاته؛ فسورية تعتبر نفسها هي من تملك مفتاح المرجعية الاستراتيجية في علاقتها مع لبنان نظراً لامتيازات جيوسياسية وديموغرافية وتاريخية تمتلكها – وهي نظرياً محقة بنظرتها لنفسها ولموقعها بموازاة لبنان – فيما بلد الأرز يعتبر نفسه صاحب أو تجربة ديموقراطية في المنطقة، وهو قائد الحداثة في المشرق العربي؛ ولبنان أيضاً نظرياً محق بنظرته لنفسه ولموقعه بموازاة موقع سورية.
وكون السياسة هي فحص نوايا مستمر؛ فإن البلدين الشقيقين محكومين نتيجة لكل هذه الأسباب الآنفة، بأن يعيشا تطبيقات 'علاقة خوة وأخوة'.. وما هو مرجو الآن هو أن يتغلب وقت علاقات 'الأخوة' على وقت علاقات 'الخوة'.











































































