اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ١١ تشرين الأول ٢٠٢٥
من وراء كواليس الصفقة: ترامب يصنع السلام على أنقاض الحرب!
زياد فرحان المجالي
لم تكن صفقة الأسرى التي أُعلنت فجر العاشر من تشرين الأول/أكتوبر 2025 حدثًا دبلوماسيًا عابرًا. كانت لحظة إعادة تشكيل للمشهد بأكمله؛ بين غزة التي أنهكها الحصار، وإسرائيل التي خرجت مثقلة بالدم والصدمة، وواشنطن التي قررت أن تكتب المشهد الأخير بنفسها.
في تلك الساعات التي سبقت الإعلان، كانت الهواتف تدقّ بين العواصم الثلاث: واشنطن، القاهرة، وتل أبيب. وفي كل مرة، كان الصوت نفسه يتردد من البيت الأبيض: 'افعلوها الآن، لا مجال للفشل.'
ذلك الصوت كان صوت دونالد ترامب، الرجل الذي عاد إلى واجهة الشرق الأوسط بصفقةٍ وصفها أحد الدبلوماسيين بأنها 'مزيج من المغامرة والغرور والعبقرية السياسية.'
المشهد الأول: المكالمة التي فتحت الباب
في إحدى الليالي المزدحمة بالمكالمات داخل الجناح الغربي، سأل ترامب فريقه: 'ما احتمال إنجاز الصفقة؟'
فأجابه كوشنر وويتكوف: 'مئة بالمئة.'
ضحك ترامب وقال: 'إذن لا نملك خيارًا آخر سوى النجاح.'
من تلك اللحظة، بدأ ما يمكن تسميته الخطة السرية لإنهاء حرب غزة.
لم يكن ترامب ينوي أن يكون وسيطًا محايدًا، بل راعيًا للانتصار الأميركي بصيغة 'سلام يُكتب في واشنطن ويُوقَّع في القاهرة.”
خلال الأشهر التي سبقت الاتفاق، كانت الإدارة تراقب تغير المزاج الإقليمي: fatigue إسرائيلي، إنهاك فلسطيني، قلق عربي من استمرار الحرب، وضغط دولي على كل الأطراف.
البيت الأبيض قرأ اللحظة بدقة: الحرب انتهت عمليًا، لكنها تحتاج إلى مخرج مشرّف.
المشهد الثاني: من نيويورك إلى الدوحة… الورقة السرية
بدأت الخيوط من نيويورك، حيث التقى فريق كوشنر وويتكوف بمسؤولين قطريين.
في تلك الغرفة الصغيرة داخل فندق 'بلازا'، وُلدت الورقة التي سُميت لاحقًا وثيقة المبادئ العشرين.
كانت مزيجًا من خلاصات تفاهمات القاهرة والدوحة السابقة، وأضيفت إليها لمسات ترامب الخاصة:
ضمانات مكتوبة، إشراف أميركي مباشر، قوة عربية مشتركة، وجدول زمني لا يتجاوز 72 ساعة.
تلك الورقة حملت توقيع الرئيس الأمريكي بخط يده، وأُرسلت إلى خمس عواصم عربية: القاهرة، الدوحة، أنقرة، الرياض، وأبوظبي.
الردود الأولى جاءت مترددة، لكن إشارة الموافقة القطرية كانت المفتاح.
قال أحد الدبلوماسيين العرب في حينها: 'الدوحة سلّمت الورقة إلى حماس، وعندما قرأت الحركة التفاصيل، أدركت أن واشنطن تريد إنهاء الحرب، لا إدارتها.'
المشهد الثالث: السابع من أكتوبر… النقطة التي غيرت كل شيء
قال مسؤول أمريكي لصحيفة واللا: 'السابع من أكتوبر غيّر كل شيء، ليس في إسرائيل فقط، بل في وجدان المنطقة.'
فبعد عامين من الحرب، لم تعد واشنطن ترى غزة ساحة مواجهة، بل فرصة لإعادة إنتاج الشرق الأوسط الجديد.
تحت العنوان الكبير 'نهاية الفصل الغزّاوي”، أعادت إدارة ترامب تشغيل مشروع 'التطبيع الشامل” مع دولٍ كانت حتى الأمس القريب ترفض الخطوة.
السعودية ولبنان والجزائر وإندونيسيا أدرجت كلها ضمن الخطة الطويلة الأمد.
لكن ذلك المشروع كان يحتاج إلى خطوة رمزية تمهّد الطريق: صفقة الأسرى.
صفقة تُظهر أن أمريكا قادرة على فرض السلام حين تُمسك بخيوط النار.
المشهد الرابع: 20 ساعة على طاولة شرم الشيخ
حين وصلت الطائرة الأميركية إلى القاهرة، كانت الساعة السادسة صباحًا.
جلس كوشنر وويتكوف مع اللواء عباس كامل وممثلين عن قطر وتركيا.
وبين الخرائط والملاحظات، دار نقاش امتد عشرين ساعة متواصلة.
في منتصف الليل تقريبًا، قال أحد المفاوضين القطريين: 'لقد تعب الجميع، لكن يبدو أننا نقترب.'
وفي الثانية بعد منتصف الليل، خرج كوشنر وهو يهمس: 'لدينا صفقة.'
كانت الصيغة تقوم على مبدأين بسيطين:
1. إطلاق الأسرى خلال 72 ساعة مقابل انسحاب جزئي إسرائيلي من خطوط معينة في غزة.
2. تشكيل قوة مراقبة عربية – أميركية تشرف على التهدئة وتمنع تجدد القتال.
لكن الأهم، كما قال المسؤول الأميركي نفسه، أن حماس بدأت تدرك أن استمرار احتجاز الأسرى صار عبئًا سياسيًا، لا ورقة ضغط.
المشهد الخامس: القاهرة – تل أبيب… مشهد التصفيق
مع فجر اليوم التالي، توجّه الوفد الأميركي إلى القاهرة للقاء الرئيس السيسي.
قدّموا له نسخة الاتفاق وطلبوا منه أن يكون الضامن التنفيذي.
وافق السيسي بشرط أن تكون القوة الأمنية عربية الطابع، وهو ما أضاف لمصر دورًا رئيسيًا في المرحلة المقبلة.
ومن القاهرة، انطلقت الطائرة الأميركية إلى تل أبيب.
في المساء، التقى كوشنر وويتكوف الرئيس هرتسوغ في خيمته بمناسبة عيد المظال، ثم توجها إلى اجتماع الحكومة في مكتب نتنياهو.
دخل المبعوثان القاعة دون إعلان مسبق، فوقف الوزراء وصفقوا بحرارة.
روى أحدهم لاحقًا: 'كانت لحظة غير متوقعة، شعرتُ أننا نعيش نهاية حربٍ استنزفتنا أكثر مما أرهقت العدو.'
لكن داخل القاعة كانت هناك أصوات متوجسة.
بعض الوزراء حذر من أن حماس لم تتخلّ عن سلاحها، وآخرون خشوا أن تكون الهدنة فخًا مؤقتًا.
إلا أن رسالة كوشنر كانت واضحة: 'الرئيس ترامب يقف خلف كل كلمة في هذا الاتفاق، ولن يسمح بانهياره.'
المشهد السادس: القوة الدولية – ولادة الحارس الجديد لغزة
تنص الوثيقة على نشر قوة دولية قوامها 200 عنصر من مصر وقطر وتركيا والإمارات، بإشراف مباشر من القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM).
مهمتهم مراقبة تنفيذ البنود وضمان عدم وقوع خروقات.
القائد المعيّن، الأدميرال أندرو كوبر، وصل بنفسه إلى القاهرة ليتولى التنسيق خلال أسبوعين فقط.
الرسالة كانت واضحة: واشنطن لن تترك الميدان، لكنها ستبقى من خلال 'عيون عربية'.
هكذا تُحافظ على الحضور دون الوجود، وتبقى صاحبة القرار دون أن تطأ قدم جندي أميركي أرض غزة.
أحد المسؤولين العرب وصف القوة بأنها 'درع سياسي أكثر منها عسكري'.
فوجودها يعني أن أي طرفٍ يخرق الهدنة سيصطدم مباشرة بالولايات المتحدة، وإن كان الشكل عربيًا ناعمًا.
المشهد السابع: اليوم التالي لغزة
في النسخة الطويلة من الوثيقة، فقرةٌ بعنوان: «إعادة هيكلة الحياة المدنية في القطاع».
تتحدث عن تشكيل جهاز أمني محلي باسم 'القوات الأمنية الإقليمية – ISF” ليحل تدريجيًا محل الجيش الإسرائيلي على خطوط الانسحاب.
ثم تبدأ مرحلة إعادة الإعمار بتمويل عربي – قطري – إماراتي، تحت إشراف أميركي مباشر.
لم تُحدَّد بعد أرقام التمويل ولا الجهات المنفذة، لكن الهدف السياسي واضح:
خلق واقعٍ جديد يمنع عودة المقاومة المسلحة ويحوّل غزة إلى منطقة استثمار وموانئ حرة.
الولايات المتحدة تراهن على أن الاقتصاد، لا السياسة، هو القادر على تفكيك الأيديولوجيا.
لكن غزة التي وُلدت من تحت الحصار تعرف أن الوعود الاقتصادية غالبًا ما تنتهي في ركام الموانئ.
المشهد الثامن: الكاميرا… والابتسامة
في البيت الأبيض، كانت الساعة تقترب من الثانية ظهرًا عندما أعلن ترامب عبر مؤتمر صحفي قصير: 'لقد فعلناها… لقد أنهينا الحرب وأعدنا الأسرى.'
وقف أمام العلمين الأميركي والإسرائيلي، يبتسم كمن خرج من معركة انتخابية ظافرة.
لم يذكر كلمة 'غزة'، ولم يتحدث عن آلاف القتلى، بل عن 'الصفقة الأعظم في الشرق الأوسط”.
بالنسبة له، كان المشهد مكتملًا: رجلٌ يعيد السلام، وكاميرات تلتقط اللقطة الذهبية لحملته القادمة.
لكن خلف الكاميرات، كان السؤال الأهم يُطرح في العواصم العربية:
هل انتهت الحرب فعلاً؟ أم أن ما جرى هو فقط استبدال النار بالهدوء المؤقت؟
المشهد الأخير: ما بعد التصفيق
صفقة الأسرى كانت أكثر من عملية تبادل، وأقل من اتفاق سلام.
هي جسرٌ مؤقت بين حربٍ أنهكت الجميع وواقعٍ لا يعرف أحدٌ إلى أين سيقود.
غير أن المؤكد أن الشرق الأوسط دخل مرحلة جديدة عنوانها 'الصفقات لا المبادئ”.
لقد استخدم ترامب أوراق الحرب كأنها أوراق انتخابية.
أنقذ نتنياهو من مأزقه الداخلي، وقدم للعرب وعدًا بالاستقرار، وأعطى للعالم مشهدًا يُشبه السلام دون أن يحققه.
أما غزة، فهي مرة أخرى على الهامش — تُدفع إلى 'اليوم التالي” بلا وعدٍ حقيقي بالحياة.
وفي نهاية المشهد، يبقى الصوت ذاته يتردد من وراء الستار: 'لقد فعلناها' — جملة قالها ترامب وهو يبتسم، لكنها ستبقى عالقة في ذاكرة المنطقة كعلامة سؤالٍ كبيرة: من ربح حقًا من هذه الصفقة؟ ومن سيدفع ثمنها في اليوم التالي؟
تلك كانت قصة صفقةٍ صُنعت في الغرف المغلقة، بين خطوط الهاتف والخرائط، حيث تتحول السياسة إلى مسرح، والدم إلى تفاوض، والسلام إلى مشهد إعلامي.
أما الشرق الأوسط، فكما هو دائمًا — يعود من الحرب إلى الحرب، مرورًا بابتسامة في كاميرا البيت الأبيض.