اخبار الاردن
موقع كل يوم -صحيفة السوسنة الأردنية
نشر بتاريخ: ٩ تموز ٢٠٢٥
السوسنة
كتبت الأديبة النّاقدة، ميَّادة مهنَّا سليمان من سورية، قراءة نقديّة لرّواية أصدقاء ديمة الحائزة على جائزة كتارا للرّواية العربيّة عام ٢٠١٨، فئة روايات الفتيان، للكاتبة الأردنيّة، الدكتورة سناء الشّعلان.
الغلاف:
نرى على غلاف الرّواية شخصَين، أحدهُما واقف، والآخر جالس؛ الواقف يميل بجسده نحو الجالس في إشارة إلى العطف، والمساعدة، ويتّضح لنا ذلك من خلال مدّ اليد للجالس، كنوع من مبادرة 'فعل الخير'، والمصافحة كرمز 'للمحبّة، والسّلام'.
نلحظ أنّ رسْم الشّخصين مكوّن من عدّة أشخاص صغار الحجم بألوان مختلفة، كرسالة على اختلاف البشر، وتعدّد أعراقهم، وأجناسهم، وأحوالهم، ومعارفهم، بالإضافة إلى إضفاء حالة اجتماعيّة محبّبة، تؤكّد قوله تعالى: 'يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائلَ لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم'/ الحجرات ١٣
خارج إطار الجسدَين يظهر بأماكن متفرّقة عدّة أشخاص بأحجام صغيرة في إشارة إلى غنى الحياة بالنّاس، وغنى الإنسان بمن حوله.
الإهداء:
لا يوجد إهداء لكنّ الكاتبة بدأت روايتها بكلمة لديمة بطلة الرّواية:
'المعاقون الحقيقيّون هم من فقدوا قدراتهم على حبّ النّاس، والإنجاز، وفعْل الخير، ومرّوا في الحياة دون أن يتركوا بصمة خير على درب الحضارة البشريّة'.
فصول الرّواية:
تتألّف الرّواية من عشرة فصول، بعضها يحتوي على عنوان واحد كالفصول: الثّالث، والخامس، والسّابع، والعاشر، بينما احتوت بعض الفصول على عدّة عناوين، كالأوّل، والثّاني، والرّابع، والسّادس، والثّامن، والتّاسع، وقدّمت الكاتبة لكلّ فصل بعبارة أو مقولة مناسبة لهدف الرّواية، ولمضمون الفصل الجديد.
هدف الرّواية:
هدف الرّواية: نشر السّعادة بين الأطفال المصابين بأمراض وإعاقات، وإخراجهم من العزلة، من أجل المشاركة في بناء المجتمع بشكل فعّال، وتحقيق طموحاتهم، وأحلامهم.
المكان في الرّواية:
المكان في الرّواية: بيت ديمة، وقدّمت له الكاتبة بقولها: 'حيث تكون الرّحمة، والمحبّة، يكون بيت ديمة'.
بطل الرّواية:
بطل الرّواية: تبتدئ الرّواية مع البطلة (ديمة)، تعرّفما على نفسها بقولها: 'اسمي ديمة، وعمري عشر سنوات ونصف، وهذا البيت اسمه (بيت ديمة)'، ثمّ تُعرّف ديمة الأطفالَ على نفسها، ومرضها، وتحكي لهم عن ثقتها بنفسها، وعن موهبتها، وكأنّها تعلم مُسبقًا نظرة النّاس للمعاقين؛ حيث يرونهم بلا فائدة تُرجى، فتقول ديمة موضحة: 'الآنَ أعرف أنّك يا من تقرأ كلماتي قد بدأتَ تتساءل عن موهبتي، وعن أسرار حياتي في بيت ديمة'.
طبعًا هذا الأسلوب يدفع بالقارئ إلى التّشوّق أكثر للقراءة، ومعرفة ما سأحكي عنه ديمة في الصّفحات المقبلة.
معرض ديمة:
ديمة مصابة بمرض (متلازمة داون)، وهنا ترينا الكاتبة دور الأهل في جعل ابنهم إنسانًا ناجحًا لا يعوق نشاطاتِه مرضٌ، ولا تؤثّر على نفسيّته نظرةُ المجتمع؛ فوالد ديمة قال لها بأنّها متميّزة لأنّها مصابة بهذا المرض، وينبغي أن تكون سعيدة، وكما تقول الرّوائيّة: 'فالله يميّز الأطفال الّذين يحبّهم'، ومن تشجيع والد ديمة، نقرأ على لسان ديمة: 'عليّ أن أجد طريق السّعادة نحوَ نفسي بإيماني العميق بأنّني أستحقّ الحياة، وأنّني غير ناقصة أو متأخّرة عن غيري من الأطفال'.
الجميل أنّ ديمة تأخذ بكلام أبيها، فتقوى شخصيتُها، وتكبر طموحاتها حتّى أنّها في الرّواية تقول بأنّها تتمنّى الزّواج من (عون)، وأنّ بإمكان المصابين بهذا المرض الزّواج والإنجاب، وهكذا نرى أنّ تشجيع الأهل، وثقة الأبناء بهم عامل مهمّ للتّغلّب على أيّة عقبة تواجههم سواء أكانت مرضًا أم غير ذلك، تقول ديمة: 'وأنا أثقُ في كلّ ما يقوله أبي الّذي وجدت معه... طريق السّعادة، والفرح، والإنجاز'.
تتأتّى لنا رؤية ثمرة الكلام الإيجابيّ الّذي غرسَ بذرَته والدُ ديمة في عقلها بقولها: 'لستُ أقلَّ من غيري من الأطفال في الإنسانيّة، والجمال، والذّكاء، والإبداع'.
موهبة ديمة:
جعلت الكاتبة ديمة إنسانة متميّزة حيث قدّمَتها لقرّائها 'كبطلة خارقة'، كي تلفت نظرهم لشخصيّتها الفريدة، وتحبّبهم بها، فيجعلونها قدوة لهم، وأيقونة للتّغلّب على مصاعب الحياة، فديمة تستطيع سماع الأصوات الدّاخليّة للنّاس، وهم يتكلّمون مع أنفسهم؛ لذلك تكشف نواياهم، وتعرف ما يقولونه عنها، وعن المصابين بالأمراض الّذين يسمّونه (معاقين).
تقول ديمة: 'حباني الله موهبة خارقة استثنائيّة تتمثّل في قدرتي على سماع أحاديث البشر مع أنفسهم، وقراءة أفكارهم، وأحاسيسهم'.
كيف اكتشفت ديمة موهبتها؟
كان لدى ديمة عنزة اخترعها أبوها، تبدو كعنزة حقيقيّة تمامًا، أسمتها ديمةٌ(شقراءَ)، وكانت ديمة تخمّن أيَّ اتّجاهٍ ستختارهُ عنزتها عندما تهرب منها، حين تلعبان(الاستغمّاية)، والمفارقة أنّ هذه الموهبة الفريدة كانت سببًا في ابتعادها عن النّاس؛ لأنّها كانت تسمع ما يقوله الكبار، والصّغار عنها من كلام سلبيّ كونها مريضة.
تقول الكاتبة على لسان ديمة: عرفتُ أنّهم يحتقرونَني... ويرفضون ملامحي المختلفة، وينزعجون من مظهري الخارجيّ، ومن تلعثم لفظي، وبطء حركات جسدي.
معاناة ديمة:
بعدما عرفت ديمة ما يقوله النّاس عنها قرّرت اعتزالهم في غرفة صغيرة في بيت جدّتها (مليحة)، وبعد أن سافر أبوها إلى أوروبّا بحثًا عن علاج لها، بعد وفاة أمّها، بذلك ظلّت ديمة وحيدةً، دون إخوةٍ أو أصدقاء، ولا سيّما أنّ المدرسة الحكوميّة رفضَت قبولها، ولم تكن في مدينتها مدرسة تعليميّة لمَن كانوا مثلها.
هُنا تُرينا الكاتبة كيف يتخلّى المجتمع عن هؤلاء الأطفال بشكلٍ تدريجيٍّ؛ فالبداية من الأهل الّذين يعدّون الطّفل المريض مصيبة حلّت بهم، والدّليل أنّ الجدّة مليحة تحبّ ديمة، وتعتني بها، وتحكي لها الحكايات الجميلة، لكنّ ديمة تقول بأنّ جدّتها تراها: مثل 'مصيبة أصابت ابنَها' وهنا نلمس مدى معاناة تلك الشّريحة من الأطفال الّتي تعاني من المقرّبين أوّلًا، ثمّ من الأصدقاء حين يرفضون اللعب معهم، ثمّ من المدرسة الّتي ترفضُ اندماجهم مع الطّلّاب الآخرين، ثمّ من الدّولة.