اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ١١ أب ٢٠٢٥
نسوة من نور في ليل الطغاة #عاجل
كتب- د. عبدالله يوسف الزعبي - ثلاثة وجوه وضاءة من نساء، نجوم طوالع وفصول حية من رواية المرأة مع دنيا العار، المرأة، قلب الإنسانية النابض وروح الحياة، الأولى مقررة والثانية ناشطة والثالثة فرحة على مباسم الأطفال. نساء جميعهن وقفن شامخات في وجه الشر الأسود الذي ينشر الموت في غزة ليل نهار، أو 24/7، ولايف كمان، كما يحلوا لدعاة الليبرالية المستوحشة من مصطلحات. ثلاث نساء هبة من السماء حين يقمن الحجة على ذكورة العرب واللحى الأكولة ذات وعظ من صخب وعضلات من ورق. هؤلاء النسوة لسن لاءات الخرطوم الثلاث، ولا يشبهن أوسلو ووادي عربة ولا حتى الأمريكية كامب ديفيد، هن سيدات وقعت منهن أصواتهن على الكون فأصبحت شجرة وشلال ماء يروي قصة غزة وأنينها الزلال. ثلاث نساء هبة من السماء، يهودية ومسيحيتان، أمريكية وإيطالية، حطمن حواجز الصمت وتسلقن قلاع الشجاعة، ومن علٍ فوق سحب الشهامة كسرن ضمير الأمة الموؤد.
أما الأولى فالإيطالية فرانشيسكا باولا ألبانيزي، المقررة الخاصة للأمم المتحدة بشأن فلسطين، ذاك الطود الشامخ الذي تجرأ منذ البداية على الصهيونية ووقف في قلب الحق حين اختبأ الجميع وراء الصمت، حين توارت الأصوات خلف حجاب العتمة. ألبانيزي إمرأة أتت من خلف ستارة العصر إلى زمن رزأته المقادير، واجهت قسوة هابيل بقبضة من حنان أصلب من حديد، تحدت نيرون وهولاكو وإيفان الرهيب، وطغاة لا حصر لهم، حتى أضحت زهرة تتفتّح في صميم الجحيم، لا تذبل رغم الدخان والرماد، وحين تحوّل العالم إلى ساحة قهر وموت، وقفت بصلابة تنقص الرجال، تحمي غزة من الرصاص والجوع، وتخفي دموعها لتزرع في قلوب اطفالها مسحة من أمان وسط العار والخراب.
وأما الثانية، ميدا بنيامين، ضمير ذات بريق وموقف حي يجوب الزمان، يهودية عرت الصهيونية وفضحت كيان الإجرام، حاربت الحرب على العراق وأنشأت منظمة كودبنك في عقر إمبراطورية الكابيتال هيل، لتقول بملء إنسانيتها ما عجزت عنه حكومات، وتواطأت فيه قوى الشر: ما يجري في غزة ليس صراعاً، بل إبادة. جاءت كودبنك بلونها الوردي في زمن الدم، تجوب واشنطن إلى الكونغرس، من داخل لجان الاستماع إلى قلب البنتاغون، أمام أعضاء مجلس الشيوخ الخرفة، أمام عدسات إعلام الكذب والنفاق، وتقول: العار عليكم جميعاً، ففي غزة، حيث تتساقط القنابل كالمطر ويوزع الموت دون ميزان، تحاصر الحقيقة بالنار وتقتل الطفولة بالنفاق.
وأما الثالثة فهي مس ريشل (أكورسو)، صاحبة برنامج أغاني للأطفال الصغار، أيقونة البراءة ورمز الصفاء في مرآة الذاكرة والأمومة. مس ريشل حكاية لذيدة مع الطفولة وعلاقة نسجتها عبر السنين بخيوط من حنان دافيء وود حميم، إذ وجدت في كل وجه صغير ملامح براءة تستحق الحياة، وفي كل عين متسائلة قصة يليق بها أن تروى حتى النهاية بلا رعب ولا فقد. بكلمة حق وحب، مسحت مس ريشل على رؤوس صغار غزة حين اختبئوا خلف ظهرها خوفاً من هدير الجرافات ودوي القصف، وعالم يتهاوى في يد الطغيان.
هؤلاء النسوة الثلاث لم يأتين ليكتبن سطراً في دفتر الإنسانية، بل ليكن الدفتر ذاته. في زمن الدم، هن مشاعل تضيء، وشواهد على أن النور لا يقهر مهما اشتدت ظلمة الظلم. نسوة ثلاث أقمن الحجة على التوراة والتاريخ والتطبيع، على الأمة، على الشعوب والحكام، أن لا مكان للحق مع الدولار، أن لا مجال للتصالح في حضرة الدم، وأن العروبة ستبقى أرملة ما لم يراق لها وعلى جوانبها الدم.