اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ١ تشرين الأول ٢٠٢٥
خطة ترامب: ما الذي تغيّر؟! #عاجل
كتب كمال ميرزا -
بعد حوالي سنتين من القتل والدمار المُمنهجين في غزّة، وبعد أن تقيّأ لنا الرئيس الأمريكيّ 'دونالد ترامب' آخر نسخة من خطته المزعومة لإيقاف 'الحرب' على غزّة، والتي يُفترَض أنّها تحظى بموافقة وتوافق صهيونيّ - عربيّ.. ما الذي تغيّر؟!
الحقيقة لا شيء تغيّر!!
هي حرب 'إبادة وتهجير' وما تزال حرب إبادة وتهجير!
وهي حرب إبادة وتهجير أمريكيّة، يخوضها الكيان الصهيونيّ وعصابة حربه بالوكالة، باعتبار أنّ ما تُسمّى 'إسرائيل' هي كيان وظيفيّ عنصريّ إحلاليّ أوجده المشروع الرأسماليّ الإمبرياليّ الغربيّ لخدمة مصالحه في المنطقة، وإنتاج وإعادة إنتاج حالة الاستلاب والهيمنة والتبعيّة.
وهي حرب أمريكيّة لأنّ أمريكا هي التي تملك القدرة على إيقافها فوراً وبـ 'كبسة زر' منذ اليوم الأول.
وهي حرب أمريكيّة بمقدار ما أنّ أمريكا هي واجهة النظام الرأسماليّ العالميّ في طوره الحاليّ، أو 'دولته المركزيّة' إذا أردنا استخدام المصطلح الأكاديميّ الدقيق.
وهي حرب رأسماليّة بمقدار ما أنّها تأتي من الناحية الاقتصادية كجزء من الصراع على الطاقة (موارد النفط والغاز وخطوطهما) والمعابر والموانئ، وانزياح الثقل والأسواق والتراكم من الشمال نحو الجنوب، ومن الغرب نحو الشرق..
وتأتي من الناحية السياسية كجزء من الصراع الذي تقوده البنوك والصناديق السياديّة الكبرى والشركات العابرة للقارّات ضدّ الدول، للانتقال من شكل الدولة القوميّة أو الدولة - الأمّة (الدولة الويستفاليّة/ دولة العقد الاجتماعيّ)، إلى شكل 'الدولة الكانتون'، باعتبار أنّ هذا الشكل الأخير (على غرار إسرائيل نفسها والدولة الفلسطينيّة الموعودة) هو الذي يخدم النظام الرأسماليّ ولاعبيه الأساسيّين في الطور الحالي.
ورئيس الوزراء الصهيونيّ 'بينيامين نتنياهو'، وعصابة حربه، ويمينه المتطرّف، هم كلاب مسعورة في مهمّة تتمثّل أولاً في القضاء ما أمكن على المقاومة وحاضنتها الشعبيّة وحالة الوعي التي أفرزتهما، وثانياً في تسليم غزّة 'تسليم مفتاح' إلى المستثمرين والمطوّرين العقاريّين.. وتنتهي وظيفتهم بانتهاء المهمّة، أو ببلوغهم الحدّ الأقصى الذي تتيحه ممكناتهم في إنجاز المهمّة.
والرئيس الأمريكيّ 'دونالد ترامب' هو أيضاً كلب في مهمّة، داخليّاً من أجل قطع الشوط الخاص به في تفكيك/ إعادة تعريف الدولة الأمريكيّة وفق مقتضيات الطور الحاليّ، وخارجيّاً من أجل تدمير/ تفتيت القوى والدول التي ما تزال متمسّكة بشكل الدولة التقليديّ ومفهومها للسيادة (بشكل أساسيّ دول البريكس).
والدول القُطريّة العربيّة بشقيّها: الكيانات التاريخيّة والمُستحدثة، تلك التي ما تزال قائمة وتلك التي فتّتتها ثورات الربيع العربيّ البرتقاليّة.. هي دول 'أطراف' تابعة، تحكمها أنظمة عسكرتاريّة (بشكل صريح أو مضمر)، ونُخَب متغرّبة (من الغرب)، وطبقة 'كمبرادور' تمثّل واجهة محلّية لمصالح اقتصاديّة خارجيّة.. وجميع هؤلاء يستمدّون شرعيّتهم ومقوّمات بقائهم واستمرارهم في المرحلة الحالية من الخارج، وبمقدار استعدادهم للاعتراف بالكيّان الصهيونيّ، وحقّه بالوجود، وحقّه بالدفاع عن نفسه، واستعدادهم للانخراط في مشاريع وترتيبات 'السلام الاقتصاديّ' الموعود، وتعديل/ تحديث أدوارهم الوظيفيّة على هذا الأساس!
و'طوفان الأقصى' هو ضربة استباقيّة لم تكن المقاومة الفلسطينيّة تمتلك رفاهيّة عدم القيام بها، لكي تسلب العدو المبادرة قدر الإمكان، ولكي لا تترك له حريّة اختيار الزمان والمكان لشنّ حرب أصبحت بحكم الحاصلة لا محالة منذ وقف 'نتنياهو' على منبر الأمم المتحدة حاملاً خرائطه ومُوزّعاً بركاته ولعناته، دون أن يخرج أحد في اليوم التالي ليردّ عليه أو ينكر ويستنكر مزاعمه!
مرّةً أخرى، بعد سنتين من القتل والدمار المُمنهجَين ما الذي تغيّر؟!
لا شيء تغيّر.. اللهم باستثناء زيادة وقاحة السيد الأمريكيّ في ابتزاز الأنظمة العربيّة والإسلاميّة المعنيّة، ومنها مَن يُفترَض أنّها 'صديق' و'حليف'، وذلك من خلال اجتماع 'ترامب' بزعماء هذه الدول قبل الإعلان عن تفاصيل خطته التي 'دُبّرت بليل'، وهو الاجتماع الذي ذهب في اتجاهين:
الاتجاه الأول إعطاء الذريعة للأنظمة العربيّة المتماهية مع الكيان الصهيونيّ، ولا ترى لها غداً بدونه، وجميع تصوّراتها المستقبليّة ومشاريعها الإستراتيجيّة مبنيّة على افتراض وجوده واستمراره والشراكة معه.. إعطاؤها الذريعة للكشف عن انحيازاتها واصطفافاتها بشكل صريح، وشروعها في تنفيذ حصّتها من 'المهمّة' داخل غزّة وضدّ مقاومتها وحاضنتها الشعبيّة بعد أن بلغ العدو الصهيونيّ مداه بهذا الخصوص.
والاتجاه الثاني قطع الطريق على الأنظمة العربيّة والإسلاميّة التي تحاول أن تناور في حدود المساحة المتاحة لها والأوراق التي في يدها، وتتعامل مع 'الحليف' و'الصديق' الأمريكيّ بمنطق 'تعا.. ولا تيجي'، وتسعى شيئاً فشيئاً لتحقيق هامش تراكميّ من الانعتاق والاستقلاليّة، وتريد 'من تحت لتحت' للمخطط الصهيو-أمريكيّ في غزة وفلسطين وعموم المنطقة أن يفشل لإدراكها أنّها مستهدفة أيضاً، وأنّ الدور سيأتي عليها تالياً، وفي مقدمتها مصر والجيش المصري، أولويّة الأولويات بعد العراق وسورية.. بل قبلهما!
بعد حوالي السنتين ما الذي تغيّر؟!
لا شيء تغيّر.. القول الفصل كان للميدان، وما يزال للميدان.. ونحن كما نحن أفراداً ومجتمعات وشعوباً وأنظمةً ودولاً نبحث تحت أظافرنا عن أيّ حجّة وذريعة و'تحليل' لنلقي عن كاهلنا المسؤوليّة (كلٌّ من موقعه وحسب قدرته واستطاعته)، ولنبرر لأنفسنا صمتنا إزاء الميدان، أو خذلاننا له، أو تنصّلنا منه، أو حتى تواطؤنا ضدّه!