اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٣٠ أيلول ٢٠٢٥
خطة ترامب - نتنياهو: الاستسلام او الإبادة!
عوني الرجوب
غزة اليوم ليست مجرد مدينة محاصرة، ولا قطاعًا صغيرًا على خارطة العالم، بل هي رمزٌ للصمود وامتحانٌ حقيقي لضمير الأمة العربية والإسلامية بأسرها. على مدى عقود، دفعت غزة الدم والدمع والجوع والحصار، بينما بقيت واقفة، تقاتل نيابة عن فلسطين كلها وعن الكرامة العربية والإسلامية.
واليوم، تُطرح خطة أمريكية–إسرائيلية، جرى إعدادها بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، تسعى إلى فرض واقع جديد عنوانه تجريد المقاومة من سلاحها مقابل هدنة مشروطة وإدارة انتقالية تُفرض من الخارج.
هذه الخطة لم تُصغ بمشاورة الفلسطينيين، ولم تستشر قوى المقاومة، ولم تُعرض على الأمة، بل كُتبت في الغرف المغلقة ليُقال للفلسطيني: إما أن تستسلم وتسلّم سلاحك وترحل، أو تُواجه حرب إبادة تُنهي كل شيء في غزة. أي منطق هذا؟ وأي عدلٍ هذا الذي يجعل الضحية بلا خيار إلا الموت أو الاستسلام؟
المقاومة في غزة لم تُولد من فراغ، ولم تُبنَ من نزوة، بل هي ثمرة عقود من الاحتلال والقتل والتشريد والخذلان الدولي. سلاحها ليس مجرد بنادق وصواريخ، بل هو رمز لحق البقاء وكرامة الحياة. كيف يُطلب من شعب أعزل أن يتخلى عن آخر ما يملك ليواجه عدواً مدججاً بأعتى الأسلحة وأحدث التقنيات؟
إن التخلي عن السلاح يعني استسلاماً نهائياً، يعني تحويل غزة إلى سجن كبير بلا حامٍ ولا مدافع، وهذا ما لن تقبله المقاومة التي أعلنتها مرارًا: إما النصر أو الشهادة.
وهنا يبرز السؤال الصارخ: أين أمة المليارين؟ أين العرب والمسلمون من غزة اليوم؟ أين جيوشكم المدججة بالصواريخ والدبابات والطائرات؟ أين أموالكم التي تملأ البنوك وصناديق الاستثمار؟ أليس الأولى أن تكون غزة في قلب المعركة السياسية والعسكرية والإعلامية؟ لقد بلغ السيل الزُبى، ولم يعد الصمت مقبولاً. التاريخ لن يغفر لأمةٍ تركت غزة وحدها في مواجهة آلة حربٍ لا ترحم. والسكوت على هذه الخطة ليس حيادًا، بل مشاركة في الجريمة، وتواطؤ مع من يسعى لابتلاع ما تبقى من فلسطين.
إن أخطر ما في الخطة المطروحة أنها لا تنهي الاحتلال، بل تُحوّله إلى استعمار جديد يُدار عبر وكلاء دوليين وإدارات تُفرض من الخارج، كما حصل في العراق حين أُسندت إدارة البلاد إلى بول بريمر وأعوانه. هل يُعقل أن تتحول غزة من سجنٍ محاصر إلى مستعمرة تُدار بأيدٍ غير أمينة؟ وهل يُعقل أن يُفرض على الشعب الفلسطيني أن يعيش بلا كرامة وبلا قرار؟ هذا ليس سلامًا، بل وصاية استعمارية جديدة، وهذا ليس حلاً بل تصفية سياسية لوجود شعب بأكمله.
الأمة العربية والإسلامية اليوم أمام اختبار تاريخي: إما أن تنتصر لغزة وتدافع عنها، أو أن تُسجّل في دفاتر التاريخ أمة خانت مبادئها وتخلت عن أرضها ومقدساتها. ولا يجوز أن تُترك الأردن وحدها في المواجهة، ويلقى العبء كله على أكتاف الأردنيين ولا على أهلنا في فلسطين وحدهم. فالقضية ليست قضية حدود، بل قضية كرامة وهوية وانتماء، وقضية الأمة العربية والإسلامية جميعًا فلا تتركوا غزة وحدها.
الواجب يحتم أن يكون هناك تحرك سياسي موحد في المحافل الدولية لرفض الخطة الأمريكية–الإسرائيلية، ودعم مالي عاجل لغزة لإسناد صمودها في وجه الحصار والتجويع، وفتح ممرات إنسانية تحت حماية عربية وإسلامية لإدخال الغذاء والدواء والوقود، وموقف عسكري رادع على الأقل بتلويح حقيقي يمنع الاحتلال من التمادي في عدوانه، وإطلاق حملات شعبية في كل العواصم العربية والإسلامية تذكّر بأن غزة ليست وحدها وأن فلسطين قضية كل العرب والمسلمين.
قد تستطيع الحكومات أن تُهادن، وقد تُجامل بعض الأنظمة القوى الكبرى، لكن الشعوب لا تُخدع. الشعوب العربية والإسلامية تعرف أن فلسطين هي بوصلتها، وأن غزة تمثل شرفها وكرامتها. ولذلك فإن صوت الجماهير الحر سيبقى أقوى من كل محاولات التزييف والإخضاع.
غزة اليوم تناديكم: لا تسلموا سلاحها، لا تتركوها فريسة للمخططات، لا تسمحوا بفرض الاستسلام على شعبٍ لم يعرف إلا الصمود. يا أمة العرب، يا أمة الإسلام، هذه فرصتكم لتثبتوا أنكم على قدر المسؤولية، أنكم لستم أمة متفرقة ضعيفة، بل قوة عظيمة قادرة على تغيير الموازين. التاريخ يكتب الآن، وستُسجَّل الأسماء: من وقف مع غزة ومن تخلّى عنها. فاختاروا لأنفسكم مكانًا يليق بأمة الكرامة والإيمان