اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٢ تموز ٢٠٢٥
المحكمة الدستورية
المحامي الدكتور معاذ وليد ابو دلو
شهد الأسبوع الماضي اهتماماً واسعاً لدى الرأي العام الأردني، بعد صدور قرار عن المحكمة الدستورية يقضي بعدم دستورية أحد القوانين المتعلقة بإحدى النقابات المهنية. هذا القرار أعاد إلى الواجهة أسئلة جوهرية حول ماهية المحكمة الدستورية، وطبيعة اختصاصاتها، ودورها في الحياة السياسية والقانونية ليس فقط في الأردن، وإنما على المستوى المقارن أيضاً.
تُعدّ المحكمة الدستورية إحدى أهم مؤسسات الدولة الحديثة، فهي الضامن لسمو الدستور وحمايته من الانتهاك والتغول عليه، وهي المعنية بضمان عدم تعارض القوانين والأنظمة مع النص الدستوري السامي وتختلف تسميتها من دولة إلى أخرى؛ ففي جمهورية مصر العربية تُعرف باسم المحكمة الدستورية العليا، وقد أُنشئت بموجب دستور 1971 بالقانون رقم 48 لسنة 1979، بعد أن كانت تُعرف باسم المحكمة العليا التي أُنشئت عام 1969.
تتمثل اختصاصات المحكمة الدستورية العليا في مصر – على سبيل المثال لا الحصر – في الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، والفصل في تنازع الاختصاص بين الجهات القضائية، وتفسير النصوص القانونية والتشريعية، والفصل في تنازع تنفيذ الأحكام. هذه الصلاحيات تجعلها مؤسسة ذات طابع قانوني ، وتؤدي دوراً مركزياً في تحقيق مبدأ سيادة وسمو الدستور .
أما في فرنسا، فقد أُنشئ المجلس الدستوري بموجب دستور الجمهورية الخامسة الصادر عام 1958، ويعدّ من أبرز النماذج التي تتبنى الرقابة السياسية على دستورية القوانين، وهي رقابة سابقة قبل صدور ونشر القانون. يُعدّ المجلس الدستوري الفرنسي من الأمثلة الكلاسيكية على النموذج الدولي والأوروبي في الرقابة، حيث يقوم بمهمة مطابقة القوانين للدستور قبل صدورها، بناء على طلب من رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو رئيسي مجلسي البرلمان أو 60 نائباً أو 60 عضواً من أعضاء مجلس الشيوخ. وتُعرف فرنسا بأنها 'الوطن الأم للرقابة السياسية” من خلال هذا المجلس.
أما لدينا في المملكة الأردنية الهاشمية، فقد كان القضاء العادي، قبل إنشاء المحكمة الدستورية، هو من يتصدى للنصوص المخالفة للدستور من تلقاء نفسه، من خلال الامتناع عن تطبيق أي نص تشريعي يُخالف الدستور، دون إبطال النص. هذا النهج شكّل حالة استمرت لحين إنشاء المحكمة الدستورية الجهة المختصة التي تفصل بشكل نهائي في مدى دستورية النصوص، وتكون أحكامها ملزمة للسلطات وللكافة.
نتيجة لحركة الإصلاح والتحديث والتجويد السياسي والدستوري في المملكة، وخصوصاً بالتعديلات الدستورية لعام 2011 والتي جاءت على ثلث الدستور ، تم النص صراحةً على إنشاء المحكمة الدستورية في الفصل الخامس من الدستور الأردني، وتم تأسيسها بموجب القانون رقم 15 لسنة 2012، كاستحقاق دستوري ووطني. وتُعتبر المحكمة الدستورية الأردنية، من وجهة نظر الكاتب، ذات طبيعة رقابية مختلطة، تمزج بين الطابعين القانوني والسياسي، نظراً لطبيعة التشكيل والوظائف والاختصاص.
وقد نصّت المادة 4 من قانون المحكمة الدستورية على اختصاص المحكمة الحصري في:
1.الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة.
2.تفسير نصوص الدستور.
وتصدر أحكام المحكمة باسم الملك، ما يعكس البعد الرمزي والسيادي في عملها كما هو في السلطة القضائية.
وبموجب التعديلات الدستورية لعام 2022، تم تعديل آلية الطعن المباشر بعدم الدستورية حسب الماده ٩، بحيث أصبح من حق مجلس النواب أو مجلس الأعيان أو مجلس الوزراء فقط، التقدم بطلب مباشر إلى المحكمة، بشرط أن يصدر القرار بموافقة ربع أعضاء المجلس المعني على الأقل. وهذه الآلية تعزز من الطابع السياسي الرقابي، إذ تربط الإحالة المباشرة بقرار جماعي في السلطة التشريعية أو التنفيذية.
أما على صعيد الدفع غير المباشر بعدم الدستورية، فقد خولت المادة 11 من قانون المحكمة الدستورية أيًّا من أطراف الدعوى المنظورة أمام المحاكم، على اختلاف أنواعها ودرجاتها، الدفع بعدم دستورية قانون أو نظام واجب التطبيق على النزاع. وتقوم المحكمة الناظرة في الدعوى، إذا رأت جدية الدفع، بوقف النظر في القضية، وتحيل الدفع إلى المحكمة الدستورية. أما إذا قررت عدم الإحالة، فيكون هذا القرار قابلاً للطعن مع الحكم النهائي في الدعوى.
ويُذكر أنه سابقاً قبل تعديل القانون كان يتطلب إحالة الدفع من محكمة الموضوع إلى محكمة التمييز، والتي تقرر بدورها ما إذا كان الدفع جديًا أم لا. ثم تقوم، في حال قبول الدفع، بإحالته إلى المحكمة الدستورية. أما اليوم، فقد أصبحت محكمة الموضوع هي الجهة المختصة بتقدير جدية الدفع مباشرة، مما يُسرّع إجراءات الوصول إلى المحكمة الدستورية.
وفي السياق المقارن، يُلاحظ أن المحاكم الدستورية – سواء ذات الطابع القانوني كما في ألمانيا وإيطاليا، أو السياسي كما في فرنسا – تُعد أدوات مركزية في النظم الديمقراطية الحديثة، لضمان التوازن بين السلطات، ومنع تغول أي سلطة على أخرى، ولتكريس مبدأ السمو الدستوري بوصفه أساس النظام السياسي والقانوني.
تُعد المحكمة الدستورية في الأردن جزءاً من النظام السياسي والبنية الدستورية والمؤسسية، وتمارس اختصاصاتها ضمن الإطار الذي حدده الدستور والقانون. وتبقى فاعلية هذه المحكمة مرتبطة بكيفية تفعيل آليات الرقابة الدستورية، ومدى تفاعل السلطات الأخرى مع قراراتها الملزمة، خاصة في ظل ازدياد القوانين والتشريعات التي تطرح للنقاش والتطبيق، الأمر الذي يستوجب رقابة مستمرة لضمان مدى توافقها مع أحكام الدستور.