غناء يتحوّل لتجربة افتراضية.. "روبلوكس" مسرح جديد للفنانين الخليجيين

محمود جبار - الخليج أونلاين

المطرب محمد الشامي:

الحياة كلها أصبحت رقمية وبات ضرورياً أن يُجيد الفنانون التعامل مع هذه التحولات.

التقنية الحديثة تفرض حضورها بقوة، ولا يمكن الوقوف في وجهها أو صدّها.

في مشهد بدا أقرب إلى الحلم منه إلى الواقع، صدحت أصوات خليجية وعربية داخل مسارح غير مألوفة، لا تصطف فيها المقاعد، ولا تلمع تحت أضوائها آلات التصوير، بل تتوهج شاشات المراهقين والأطفال، وتتمايل الشخصيات المكعبة على أنغام الموسيقى.

هذه ليست حفلات على خشبة تقليدية، بل عروض موسيقية حيّة احتضنتها منصة الألعاب العالمية 'روبلوكس' (Roblox)، معلنة بذلك ولادة فصل جديد من فصول الترفيه العربي في عصر العوالم الافتراضية.

و'روبلوكس' هيمنصّة تتيح لأي أحد إنشاء الألعاب والتجارب ومشاركتها مع اللاعبين الآخرين. وتعد هذه المنصة سهلة الاستخدام من قبل أي شخص إذ لا تتطلب سوى تنزيل التطبيق وإنشاء ملف شخصي وتخصيص الأفاتار، وستُفتح المنصة للمستخدم أبوابها بكل ما فيها.

والمنصة الرقمية هذه تأسست عام 2006 بواسطة شركةRoblox Corporation، وهي منصة أنشئت أصلاً لتتيح للمستخدمين تصميم ألعابهم الخاصة.

ويعتمد النظام على تمكين اللاعبين من استخدام أدوات تصميم سهلة لإنشاء عوالمهم الخاصة أو تجربة ألعاب الآخرين، مما يجعلها تجربة ممتعة ومتنوعة.

في الفترة الأخيرة أخذت المنصة تشهد إضافة جديدة أخذت تنتشر بين روادها وهم بالملايين حول العالم، حيث تحولت إلى فضاء ترفيهي عالمي يشهد حضور فنانين عرب وخليجيين يؤدون عروضهم لجمهور من مختلف الأعمار والثقافات.

حفلات موسيقية افتراضية، نفّذتها منصات متخصصة بالتعاون مع فنانين خليجيين وسعوديين، جذبت مئات الآلاف، بل الملايين، من الحضور الرقمي، من دون حاجة لتذكرة، أو مسافة، أو حتى كرسي.

المنصة بذلك تجعل من الأغنية الخليجية نبضاً رقمياً عابراً للحدود، يُبث عبر سماعات الحاسوب، ويرقص له جمهور متعدّد الجنسيات في فضاء بلا جدران.

هنا، يُعرض الفن بطريقة جديدة تماماً؛ إذ يظهر الفنان الخليجي في شكل شخصية ثلاثية الأبعاد، محاطاً بجمهور من لاعبين يتفاعلون معه بالرقص أو الإيموجي أو التصفير، وكل ذلك في بيئة مبرمجة بالكامل، لا تخضع لقوانين الواقع، لكنها تنبض بمشاعر حقيقية.

ما يحدث في روبلوكس ليس حدثاً عابراً، بل مؤشراً على تحوّل جوهري في صناعة الفن والترفيه عربياً.

فبعد أن كانت المنصات الرقمية حكراً على الألعاب والدراما القصيرة، أصبحت اليوم مساحة للغناء، ولتوسيع الجمهور خارج القاعات المغلقة.

عن طبيعة هذه الحفلات تنقل 'العربية. نت' عن بسام السيف، الباحث التقني قوله:

تمثل نقلة نوعية في عالم الترفيه الرقمي، إذ تجمع بين التقنية والتجربة التفاعلية والمحتوى الإبداعي في آنٍ واحد.

استقطاب ملايين الحسابات من مختلف دول العالم.

تحقيق عوائد مالية ضخمة من الإعلانات والمشتريات داخل المنصة والتذاكر الرقمية ما يجذب شركات الإنتاج.

شركات كبرى مثل Warner وSony بدأت فعلياً بالدخول في شراكات استراتيجية مع منصات مثل Roblox وFortnite.

وتيرة الاستثمار في هذا المجال تشهد تسارعاً ملحوظاً.

العالم الرقمي لم يعد مجرد قناة ترويج، بل أصبح سوقاً متكاملاً بحد ذاته.

الحفلات الافتراضية ستتحول في فترة وجيزة إلى عنصر أساسي في استراتيجيات التوزيع والترويج الفني.

مسايرة التقنية والحفاظ على الهوية

في زمن تتداخل فيه العوالم الرقمية مع الفنون، وتُقام فيه حفلات لفنانين خليجيين عبر منصات ألعاب افتراضية مثل 'روبلوكس'، لا يرى المطرب العراقي محمد الشامي في ذلك مفاجأة أو خطراً على التراث الغنائي، بل فرصة يجب احتضانها بحذر وذكاء.

يقول الشامي في حديثه لـ'الخليج أونلاين' إن الواقع لم يعد كما نعرفه، فالتقنية الحديثة تفرض حضورها بقوة، ولا يمكن الوقوف في وجهها أو صدّها.

ويوضح فكرته بمثال بسيط لكنه عميق: 'حتى الصور بالأبيض والأسود، تدفع المتلقي لأن يُمعن النظر، ليفصل بعينه الخبيرة بين درجات الرمادي، ويستحضر في ذهنه ألواناً خفية. أما الصورة الملونة لا تطلب الكثير من التركيز'.

هذا التشبيه البصري يستثمره الشامي لتسليط الضوء على ما يسميه 'الجمال المكنون' في الفنون، ذلك الذي لا يظهر مباشرة للجمهور، بل يتطلب ذوقاً، خبرة، وصبراً لتذوقه. ويرى أن الفن الأصيل بما فيه الغناء، يحمل طبقات من هذا الجمال، ويستحق أدوات تواكب العصر دون أن تطمر روحه الأصلية.

وبنبرة تأملية يضيف: 'هناك نوعان من الجمال: جمال ظاهر، يمكن لأي أحد أن يراه ويتمتع به، وجمال خفي يحتاج إلى تركيز، وتدرّج في الفهم'، لافتاً إلى أن حفلات الروبلكس تأتي في إطار الجمال الظاهر.

ولا يتخذ الشامي موقفاً عدائياً من التقنية، بل ينتقد من وصفهم بـ'الفئات التي دأبت تاريخياً على رفض كل جديد'، مستحضراً كيف هوجم الراديو في بداياته، ورفض الناس التلفاز والسينما عندما ظهرا، ثم باتت هذه الوسائط جزءاً من الذاكرة الجمعية والجمال البصري، على حدّ قوله.

ويشير إلى أن رفض التطور 'خطأ تكرر كثيراً'، مشدداً على ضرورة عدم الوقوع فيه مجدداً، والأهم وفق تعبيره أن يُحسن الناس استخدام هذه الوسائل لا مهادمتها.

ويؤكد الفنان العراقي عدم ممانعته من أن تُجسّد شخصيته في حفل موسيقي افتراضي على روبلوكس، أو أي منصة تفاعلية أخرى؛ طالما الرسالة تصل وتحترم هوية الفن، على حدّ قوله.

ورغم انفتاحه الكبير على الوسائط الرقمية، يصرّ الشامي على أن التقنية الحديثة لن تطمر الأصالة، ويبرهن على ذلك بأن أغاني العمالقة العرب ما زالت تُشاهد وتُسمع حتى اليوم، رغم أنها صورت بالأبيض والأسود، وهذا يدل على أن ما يصمد هو الجوهر، لا الصورة أو المنصة.

ويختم قائلاً: 'الحياة كلها أصبحت رقمية'، لافتاً إلى ضرورة أن يُجيد الفنانون التعامل مع هذه التحولات، مع تأكيده على أهمية الحفاظ على التراث الغنائي سواء الخليجي أو العربي بشكل عام.