اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٧ تشرين الأول ٢٠٢٥
حكاية الندم العقاري المزمن… من ضواحي عمان إلى أطلال الحسرة
كتب وسام السعيد- لا تمر جلسة عائلية إلا وتسمع الجملة الأسطورية التي ورثناها أكثر من الأراضي نفسها:
'هاي الأرض كانت لجدي… باعها بالرخيص!”
وتبدأ بعدها سيمفونية الندم الجماعي، وتُفتح ملفات 'عبدون ودابوق والشميساني”، وكأن الأجداد باعوا خزائن الذهب لا تلالًا ترابية كانت تُزرع قمحًا وشعيرًا.
ثم يختم أحدهم الحديث بحسرةٍ فلسفية:
'لو إنه ما باع كنا اليوم من أغنياء البلد!” طيب يا جماعة الخير، ما حدا بيعرف الغيب.
جدّك باع قبل خمسين او ستين سنة بمبلغ الف دينار، وكانت وقتها ثروة حقيقية، تُقيم بها مشروعًا، وتشتري بها بيوتًا، وتعيش منها بكرامة.
ولو احتسبنا التضخم،ف ألف دينار زمان تساوي أكثر من 100 الف ديناراليوم. يعني الرجل باع بصفقة ممتازة بمقاييس زمنه، لا بمقاييس 'فيسبوك 2025”! المشكلة ليست في البيع، المشكلة في 'العقل بعد البيع”. كثيرون باعوا بثمن ممتاز، لكن الثمن تبخر في سفريات، أو مظاهر، أو فشخرة لا تُثمر. وهنا مربط الفرس. فقد ورد عن النبي ﷺ قوله: 'من باع دارًا أو عقارًا ثم لم يجعل ثمنه في مثله، لم يُبارك له فيه.”
البركة ليست في العقار، بل في العقل الذي يُدير المال بعده. ومن يلوم جده لأنه باع، عليه أن يسأل نفسه أولاً: 'وماذا فعلت أنت بثروات زمنك؟”
ثم دعونا نكون منصفين… كثير من المناطق التي باعها الناس لم تزدهر أصلًا، وبقيت كما كانت أو حتى فقدت قيمتها.
لكن لا أحد يروي هذه القصص لأنها لا تُرضي حكاية 'كنا أغنياء وضاعت منا الدنيا”.
الناس تحب الروايات التي تجعلهم ضحايا الزمن، لا ضحايا قراراتهم.
والأطرف من ذلك، أن بعضهم يروي القصة كل عام وكأنه يستحق تعويضًا معنويًا من الدولة! ينسى أن البيع وقتها كان عقلانيًا، وأن من اشتراها ربما غامر، وربما بقي عشرين سنة ينتظر الكهرباء والماء، ثم شاء الله أن تزدهر المنطقة فارتفعت قيمتها. هي مسألة أقدار، لا تقصير.
احمدوا الله على ما كان، ولا تحاسبوا الأجداد بمعايير الأبراج الاستثمارية الحديثة.
فالذي باع لم يُخطئ، والذي اشترى لم يسحر… كلٌّ تصرّف بما رآه صوابًا في زمنه. الزمن وحده هو الذي غيّر ملامح الأرض لا نيات أصحابها.
الرخيص في زمانه كان غاليًا، والغالي اليوم قد يصبح رخيصًا غدًا.
أما الأذكى فهو من يتعلم من الماضي، حتى لا يأتي أحفاده بعد خمسين سنة ليقولوا عنه:
'كان عند جدي مال… وضاع بالرخيص!”







 
  
  
  
  
  
  
  
  
 










































 
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
 