اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٣١ تشرين الأول ٢٠٢٥
تصاعد أزمة الحريديم في 'إسرائيل' يكشف عمق الانقسامات في المجتمع والائتلاف الحاكم #عاجل
شهدت مدينة القدس في الأيام الماضية مظاهرة مليونية غير مسبوقة نظمها آلاف من أبناء الطائفة الحريدية، احتجاجا على محاولات الحكومة 'الإسرائيلية' إعادة طرح قانون التجنيد الإلزامي الذي يلزم المتدينين بالخدمة العسكرية.
وامتدت المظاهرة لتتحول إلى ما يشبه العصيان الديني والاجتماعي، إذ أغلق المحتجون الشوارع الرئيسية ورفعوا شعارات دينية تؤكد رفضهم أي مساس بعقيدتهم أو بنمط حياتهم القائم على الانعزال عن مؤسسات الدولة.
الاحتجاج الذي ضم رجال دين وطلاب مدارس توراتية وقيادات سياسية من أحزاب الحريديم، عُدّ الأكبر منذ سنوات طويلة، وجاء في لحظة سياسية وأمنية حساسة تمر بها 'إسرائيل'، حيث تتزامن أزمة التجنيد مع تصاعد الانتقادات لأداء الجيش خلال الحرب الأخيرة على غزة، ومع تراجع ثقة الإسرائيليين بالمؤسسة الحاكمة.
وتحوّلت المظاهرة إلى مشهدٍ كاشفٍ لحجم الشرخ بين الدولة الحديثة التي تسعى لفرض 'المواطنة المتساوية'، والمجتمع الديني المنغلق الذي يرى أن التجنيد العسكري يتعارض مع الشريعة اليهودية ومهمته الروحية في 'خدمة التوراة'.
الخبير في الشأن الإسرائيلي عماد أبو عواد قال إن الحريديم، مع بداية تأسيس الدولة، كانت نسبتهم قليلة في المجتمع الإسرائيلي لا تتجاوز واحداً ونصف في المئة، وإن مؤسس الدولة بن غوريون لم يكن يتوقع أن تأتي الأيام التي تصبح فيها هذه القضية بهذا الحجم من النقاش والاهتمام.
وأشار أبو عواد إلى أن الحريديم ومظاهراتهم وتبنيهم لهذا النهج واضح بأنه غير قابل للتغيير، لأن الموضوع بالنسبة لهم مرتبط بعقيدة دينية، كما أنهم مرتاحون في أوضاعهم الحالية، إذ يمتصون دم الدولة ويطبقون الفكر التوراتي الذي يتبنونه.
ولفت إلى أن الفجوة الحقيقية ليست بين الحريديم والدولة العلمانية فحسب، بل بين الحريديم وكل مكونات المجتمع الأخرى، موضحاً أن لديهم فجوة مع المتدينين القوميين مثل جماعة بن غفير وسموترتش الذين يطالبون بتجنيدهم، وكذلك مع التيار التقليدي.
وقال إن نمط حياة الحريديم فيما يتعلق بالتجنيد، والاقتصاد، والتعليم، سيؤدي مع مرور الوقت إلى خلل بنيوي داخل إسرائيل.
وأضاف أن الحرب كشفت النقص في عدد الجنود، لكن المستقبل القريب سيكشف عن أزمة اقتصادية وزيادة في نسب التخلف، لأن التعليم لديهم يقتصر على دراسة التوراة والعبرية والحساب فقط، وبشكل بسيط.
وتابع قائلاً إن هذا الموضوع سيأخذ منحنى متصاعداً من الصراعات والابتزازات، لأن الحريديم لديهم قدرة كبيرة على ابتزاز الدولة وامتصاص مواردها مقابل وجودهم في الحكومة، موضحاً أنهم لا يلتزمون بخط سياسي ثابت، بل يقفون مع من يدفع أكثر سواء كان من اليمين أو المركز.
وأكد أبو عواد أن سلوك الحريديم سيؤدي إلى ضعف في إسرائيل في مختلف الاتجاهات، فكرياً واقتصادياً واجتماعياً، لأنه يولد حالة من انعدام المساواة في تحمل الأعباء، مما يدفع بعض اليهود إلى التفكير بالهجرة من إسرائيل.
وأشار إلى أن أحد أسباب الهجرة هو نمط حياة الحريديم.
وأوضح أن الخلل الاقتصادي المتوقع مستقبلاً سببه أن هذه الفئة تشكل اليوم نحو 17% من اليهود، ومن المتوقع أن تصل إلى 30% قريباً، لأن معدل الأسرة لديهم ستة أبناء مقابل اثنين إلى ثلاثة لدى بقية مكونات المجتمع، ما سيؤدي إلى صراعات سياسية ودينية وخلافات عميقة تؤثر على إسرائيل وصورتها.
وأضاف أن مسألة الحريديم والانتخابات ذات بعد طائفي، إذ سيحصلون على أصواتهم المعتادة (نحو 17 إلى 18 مقعداً)، وأن من يستطيع منحهم الحصانة في قضية التجنيد هو بنيامين نتنياهو فقط.
ورأى أن هذا الموضوع سيصب في صالح نتنياهو بعد الانتخابات، رغم أنه يسبب له صداعاً قبلها، لأنه وعد بتمرير قانون التجنيد ولم يتمكن بعد بسبب رفض داخل الليكود نفسه.
أما فيما يتعلق بغزة، فقال أبو عواد إن نتنياهو يتبنى استراتيجية واضحة تقوم على تجميد الواقع كما هو، لأن العودة إلى حرب إبادة أو قتال داخل غزة بالطريقة السابقة غير محبذة إسرائيلياً، ليس التزاماً باتفاق ما، بل لأنها مكلفة داخلياً ودولياً في ظل أزمة التجنيد. وأشار إلى أن الساحة السياسية في إسرائيل باتت تقوم على من يتطرف أكثر لينال رضا الجمهور الإسرائيلي.
من جانبه، قال الخبير في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور إن هذه المظاهرة ربما تعبر عن ذروة حالة التشظي داخل المجتمع الإسرائيلي فيما يتعلق بهوية الدولة ومكوناتها وقدرتها على التعايش والاستمرار بالآليات القديمة.
وأضاف أن الحرب كشفت مدى حاجة المنظومة الأمنية للمجندين، ما أثار القضية من جديد، وأظهر أن المتدينين متمترسون خلف مواقفهم، ولذلك خرجوا من الحكومة واحتجوا داخل الائتلاف، وها هم يتوجون ذلك بهذه المسيرة.
وأشار منصور إلى أن هوية الدولة الإسرائيلية، ومؤسساتها، وديناميكياتها الداخلية، والعلاقة بين مكوناتها أصبحت قضايا ضاغطة داخل المجتمع الإسرائيلي، ويمكن أن تتفجر على شكل مواجهات، خاصة إذا استمرت حكومة اليمين التي تحكم من جهة، لكنها من جهة أخرى غير قادرة على فرض إرادتها في قضايا القضاء والتجنيد والعلاقة مع المتدينين والتعليم والإعلام.
وأوضح أن هذه الأزمات تهدد مظهر الوحدة في العمق، وأن احتمالات تحوّلها إلى حرب أهلية أو انزلاقات اجتماعية تبقى قائمة، مؤكداً في الوقت نفسه أن صمامات الأمان داخل المجتمع الإسرائيلي ما زالت فاعلة حتى الآن، رغم أنها بدأت تتآكل وتضعف وتصل إليها الانقسامات.
ورأى منصور أن حضور نتنياهو في هذه المرحلة يحمل تناقضاً واضحاً، فهو من جهة يريد دعم المتدينين، ومن جهة أخرى يعتمد على قاعدة صهيونية دينية تخدم في الجيش وترفض إعفاء الحريديم من الخدمة، ما يجعله ممزقاً بين الطرفين.
وخلص إلى أن نتنياهو سيحاول التركيز على قضايا أخرى مع إبقاء تعهداته بشأن أزمة التجنيد عامة وفضفاضة دون التزام فعلي، في محاولة لتجنب تفجر الأزمة داخل ائتلافه الحاكم.
إحتجاجات الحريديم الخميس الماضي في القدس، شكلت وفق مراقبين جرس إنذار لإسرائيل بأكملها حول مستقبل التوازن بين الدين والدولة، وبين الإكراه المدني والإيمان الديني. ومع تزايد نفوذ التيارات المتدينة داخل السياسة والمجتمع، تبدو الحكومة الإسرائيلية أمام اختبار صعب قد يحدد ملامح الدولة ومستقبلها لسنوات طويلة قادمة.












































