اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٣١ تشرين الأول ٢٠٢٥
العيش على حافة الإحتمال..ونوافذ الأمل
عدنان نصار
في الأردن، لا يحتاج الإنسان إلى نشرات الأخبار ليعرف أن المعيشة تضيق، ولا إلى أرقام رسمية كي يدرك أن الجيب لم يعد يحتمل. يكفي أن يسير في شوارع المدينة صباحًا، ليرى الوجوه المرهقة، والعيون التي تستيقظ مبكرًا بحثًا عن رزقٍ لا يكاد يكفي.
في الأسواق، تزدحم الحكايات أكثر من البضائع. رجل خمسيني يقف طويلاً أمام بائع الخضار، يزن التفاح في كفّه قبل أن يزنه في الميزان، ثم يعيد الكيس إلى مكانه وكأنه يعتذر. بجانبه امرأة تمسك دفتر ديون صغير، تراجع ما تبقّى لها من 'حساب' مؤجل عند البقالة. تبتسم بخجل وتقول للبائع: 'أسبوع الجاي إن شاء الله.' هذا هو المشهد اليومي الذي يعيشه الأردني البسيط، بين حسابٍ مؤجل وأملٍ مؤجل أيضًا.
في الحارات الشعبية، تجتمع الهموم على أرصفة المساء. يتحدث الناس عن الأسعار، عن المدارس، عن الإيجارات التي ترتفع بلا رحمة، وعن الشباب الذين يرحلون بصمت بحثًا عن فرصة في بلادٍ بعيدة. وبين النكتة والآهة، يمرّ الليل خفيفًا على القلوب رغم ثقل الأيام.
يبقى في الأردني شيء من الصبر النبيل، كأنه خُلق ليتحمل أكثر مما يُحتمل. هو لا يثور، بل يواجه. يذهب إلى عمله حتى لو لم يتبقَّ من راتبه إلا الفتات، ويشتري لأطفاله فرحًا صغيرًا في نهاية الأسبوع، ولو كان ذلك على حساب نفسه. يقول لزوجته: 'الدنيا بتمشي، المهم نضل بخير..'
يحلم الشباب بوظيفة، بشقة، بزواجٍ بسيط، لكن الواقع يضع أمامهم لافتة مكتوب عليها: 'مغلق مؤقتًا.' ومع ذلك، تراهم يحاولون. يعمل أحدهم في أكثر من عمل، ويبتسم للكاميرا حين يمرّ أحدٌ يصوّر مبادرة شبابية. كأنّهم يريدون أن يقولوا: 'لسه فينا خير، بس بدنا فرصة.'
الجميل في الإنسان الأردني أنه لا يفقد حسّ الدعابة حتى وهو يغرق. يمزح عن الغلاء كما لو أنه صديق قديم، ويسخر من الأزمات كي لا تسخر منه. وبين كل هذه المفارقات، يعيش، يصبر، ويواصل، كأنه يقول للحياة: 'لن أُهزم، حتى لو لم يبقَ في جيبي سوى الأمل.”
رغم كل الضيق، تبقى في البيوت دفء العلاقات الإنسانية: الجارة التي ترسل صحن الطعام، والأم التي تخبئ ما بقي من الراتب لأجل دواء الجد، والولد الذي يصرّ أن يشتري لأخته هدية نجاحها ولو بالدَّين. تفاصيل صغيرة، لكنها هي التي تحفظ ملامح المجتمع من التآكل.
في آخر النهار، يعود الأردني إلى بيته متعبًا، يحمل في يده كيس خبز، وفي قلبه ما تبقّى من طاقة ليومٍ آخر. يجلس بصمتٍ قرب أطفاله، يضحك لضحكاتهم، ويخفي عنهم وجعه كي لا يشعروا بثقل الحياة. يمدّ يده ليمسح على رؤوسهم، كأنه يمسح عن نفسه غبار النهار الطويل. يخرج إلى الشرفة قليلًا، ينظر إلى أضواء البيوت المتناثرة في البعيد، ويقول في دواخله المتعبة: 'غدًا سيكون أفضل، لا بدّ أن يكون.' ثم يغلق النافذة برفق، ويدخل إلى بيته الصغير المضيء بالحب، لا بالكهرباء.












































