اخبار مصر
موقع كل يوم -سي ان ان عربي
نشر بتاريخ: ١٧ تموز ٢٠٢٥
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- في قلب هضبة الجيزة، وعلى مقربة من أهرامات مصر، ينتصب تمثال أبو الهول في صمت مهيب، شاهدًا خالدًا على عظمة الحضارة المصرية القديمة.
ومن منظور جوي ساحر، يكشف المشهد عن جمال فريد لهذا التمثال الضخم، المنحوت بالكامل من الحجر الجيري، والذي يُعد من أبرز المعالم الأثرية في العالم.
يقع أبو الهول في الجيزة، ويتميّز بمظهره الفريد وموقعه الاستراتيجي بجوار الأهرامات، ما يجعله رمزًا لا يقل أهمية عن الأهرامات نفسها في تمثيل مصر القديمة.
وثّق المصور المصري المتخصص في التصوير الجوي، أسامة شريف، مشاهد ساحرة لتمثال أبو الهول، كاشفًا عن روعة هذا الأثر الخالد من زوايا غير مألوفة تأسر القلوب، وتبرز تفاصيله الفريدة.
يجسّد أبو الهول كائنًا أسطوريًا برأس إنسان يُمثّل الملك، وجسد أسد، في إشارة إلى الحكمة المرتبطة بالقوة.
يُعد أبو الهول أقدم تمثال ضخم معروف في التاريخ، إذ يبلغ طوله نحو 73 مترًا، وعرضه 19.3 مترًا، ويصل ارتفاعه إلى نحو 20 مترًا حتى قمة الرأس.
تشير الأدلة الأثرية إلى أن التمثال نُحت خلال عهد الملك خفرع (نحو 2558 – 2532 ق.م.)، صاحب الهرم الأوسط في الجيزة.
كما أظهر تحليل ملامح وجه التمثال تشابهًا لافتًا مع تماثيل الملك خفرع.
وأوضح شريف لموقع CNN بالعربية أنه اختار تصوير تمثال أبو الهول لأنه بالنسبة له يُعد من أعظم الرموز التاريخية في مصر، ومع ذلك لا يحظى بشهرة الأهرامات ذاتها، رغم قربه منها.
وقال المصور المصري: 'بينما يتوافد الزوار من مختلف أنحاء العالم للانبهار بعظمة الأهرامات ودقة بنائها وضخامة حجمها، يغفل كثيرون عن هذا التمثال الغامض الذي تحيط به الأساطير والمفاهيم الخاطئة، رغم ما يمثله من عمق تاريخي ورمزية قوية'.
وأشار إلى أن 'مشهدا ألهمه صدفةً خلال مروره بشارع أبو الهول بحي نزلة السمان، حيث لفت نظره وقوف التمثال الفريد وهو يدير ظهره للأهرامات، ويواجه المدينة كأنه يحرسها'.
وقال: 'هذه اللقطة كانت كافية لتزرع في داخلي الرغبة في توثيقه من زاوية مختلفة؛ زاوية تُبرز علاقته ليس فقط بالأهرامات، بل أيضًا بالعمران الحديث المحيط به. وهو منظور لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال التصوير الجوي'.
من خلال هذا المنظور، تمكن شريف من إظهار الموقع الحقيقي لأبو الهول ضمن منطقة أهرامات الجيزة، وهو أمر لا يظهر بوضوح في أغلب الصور المتداولة التي غالبًا ما تلتقط من زوايا قريبة لا تعكس حجمه بدقة ولا علاقته بالموقع الأثري ككل.
كما أتاح له التصوير الجوي توثيق تفاصيل مميزة لهيكل التمثال على هيئة جسم أسد ورأس إنسان، كما أظهرت الصور المسافة الفعلية بينه وبين الأهرامات، موضحة كيف أصبح العمران الحديث يزحف بقربه.
بينما تركز غالبية الصور المتداولة للمعلم التاريخي على وجه التمثال فقط، أراد شريف من خلال عدسته، تقديم أبو الهول من زوايا جديدة تكشف عن عناصر معمارية وتفاصيل تاريخية لم تُرَ من قبل، مثل شكل التمثال من الخلف، ومدى تداخله مع المدينة.
مع ذلك، لم يخل تصوير موقع أثري بهذه الأهمية من الجو من التحديات، إذ كان اختيار التوقيت والإضاءة تحديًا كبيرًا.
وقد التقطت الصور قبل الغروب، حين يكون ضوء الشمس ذهبيًا وناعمًا، فيُظهر التفاصيل بجمال طبيعي. كما توجب عليه مراعاة عوامل الطقس مثل الرياح، وبخار الماء، والتلوث، التي قد تؤثر على وضوح الصور.
حرص شريف على الإلتزام تمامًا باحترام الموقع الأثري من خلال استخراج تصاريح التصوير اللازمة، والحرص على توثيق التمثال بصورة تحافظ على هيبته وتُظهر عظمته بصدق وجمال في آن واحد.
بالنسبة إلى مصور الدرون المصري، فإن التصوير الجوي غيّر رؤيته تمامًا حول تمثال أبو الهول ورمزيته، قائلا: 'رأيت بوضوح كيف يقف كحارس يواجه مدينة الجيزة، كما كان يحرس المعابد والمقابر في الماضي'.
وتابع: 'حتى تفاصيل دقيقة لم ألاحظها من قبل ظهرت أمامي، مثل الذيل الملفوف حول جسده، ورأسه الصغيرة نسبيًا مقارنة بجسمه، ووجود فتحة جانبية يعتقد أنها تعود لأعمال تنقيب قديمة، وجميعها عناصر لا تُرى في الصور التقليدية'.
لكن أكثر ما أثار إعجاب شريف، هو الإدراك بأن التمثال نُحت بالكامل من كتلة واحدة من الحجر الجيري، في إنجاز هندسي مذهل يعكس عبقرية المصريين القدماء ودقتهم.
وأكدّ: 'هذا المنظور الجوي غيّر فكرتي عن التمثال، وزاد من تقديري له، وأتمنى أن أكون قد استطعت أن أعرّف الناس بأبو الهول من جديد، وأن أقدمه لهم بعيون مختلفة.. من زاوية لم تُرَ من قبل'.