اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ١٧ تموز ٢٠٢٥
في اكتشاف أثري مثير، عثر فريق من علماء الآثار على نقش صخري يبلغ عمره حوالي ٥١٠٠ سنة في كهف بالقرب من مدينة أسوان في جنوب مصر، يعود تاريخه إلى عصر الأسرة الأولى، أي حوالي ٣١٠٠-٣٠٠٠ قبل الميلاد.
النقش، الذي قاد عملية اكتشافه الدكتور دوريان فانهول، مدير وأمين متحف في بلجيكا، يصور رأس وكتف شخصية بارزة ترتدي لحية طويلة مزيفة، وهي رمز مميز في الفن المصري القديم يعكس مكانة صاحبها.
يقع هذا النقش في منطقة تُعرف تاريخيًا بأرض الذهب، وهي منطقة اشتهرت بثروتها من الموارد الطبيعية، وخاصة الذهب، في العصور القديمة.
يُعتقد أن هذا الاكتشاف قد يقدم رؤى جديدة حول الفترة التأسيسية للدولة المصرية، وهي مرحلة تاريخية لا تزال محاطة بالغموض بسبب ندرة المصادر الأثرية. وفقًا لصحيفة الإندبندنت البريطانية، يمثل هذا النقش خطوة كبيرة نحو إعادة صياغة فهمنا لتاريخ مصر القديمة، حيث يوفر أدلة عن الحياة الاجتماعية والثقافية في فترة ما قبل توحيد مصر.
ويتميز النقش الصخري بدقة تفاصيله الفنية، حيث يظهر الشخصية الجالسة بملامح محددة مثل الذقن الممدود، التي كانت تُستخدم غالبًا للدلالة على اللحية المزيفة التي يرتديها الحكام منذ الأسرة الأولى.
ومن جانبه، أوضح الدكتور فانهول أن تصاوير القوارب، وهي عنصر متكرر في الأيقونوغرافيا المصرية خلال الفترات ما قبل الأسرية والبروتو-الأسرية (٤٥٠٠-٣٠٨٥ قبل الميلاد)، لعبت دورًا حاسمًا في تحديد عمر النقش. هذه القوارب لم تكن مجرد رسومات فنية، بل كانت تحمل معاني أيديولوجية ورمزية عميقة، مرتبطة بالمعتقدات الدينية والسلطة السياسية في تلك الحقبة. النقش، الذي عُثر عليه على الضفة الغربية لنهر النيل في نوفمبر ٢٠٢٢، يصور قاربًا مزخرفًا يجره خمسة أشخاص إلى اليمين، إلى جانب الشخصية الجالسة التي تُظهر سمات الحكام الأوائل.
على الرغم من غياب رمز السريخ، وهو رمز هيروغليفي يتكون من واجهة قصر مع اسم الملك يتوجه إله الصقر حورس، فقد استبعد الباحثون أن تكون الشخصية المصورة هي الملك نعرمر، أول فرعون في الأسرة الأولى. بدلًا من ذلك، يُرجح أن النقش يعود إلى فترة مبكرة جدًا، ربما قبل حكم نعرمر مباشرة، ويمثل شخصية ذات نفوذ مثل زعيم محلي أو كاهن بارز.
كما يُعد هذا النقش إضافة قيمة إلى مجموعة النقوش الصخرية التي تساعد في كشف تفاصيل الأحداث التاريخية التي مهدت لتكوّن الدولة المصرية الموحدة. يبرز النقش أهمية الفن الصخري كوسيلة استخدمتها السلطات القديمة للتواصل مع الشعب، وتأكيد السلطة، ووضع علامات رمزية على المناظر الطبيعية.
منطقة أرض الذهب، التي ارتبطت تاريخيًا بمناجم الذهب الشهيرة مثل السكري وإيقات في الصحراء الشرقية، كانت مركزًا اقتصاديًا وثقافيًا رئيسيًا في مصر القديمة. وفقًا لصحيفة دايلي ستار، يعكس هذا الاكتشاف الدور المحوري لهذه المنطقة كمصدر للثروة، حيث كان الذهب يمثل رمزًا للقوة والرفاهية في المجتمع المصري القديم. يأمل العلماء أن يساهم هذا النقش في تعميق فهمنا للتنظيم الاجتماعي والاقتصادي في مصر خلال الفترة التي سبقت توحيدها تحت حكم نعرمر. كما يخطط الفريق الأثري لمواصلة التنقيب في الموقع للكشف عن المزيد من القطع الأثرية التي قد تلقي الضوء على فجر الحضارة المصرية.
ويُضيف هذا الاكتشاف بعدًا جديدًا لدراسة تاريخ مصر القديمة، حيث تُعد فترة ما قبل الأسرة الأولى من أكثر الفترات غموضًا بسبب قلة الوثائق والنصوص المكتوبة. النقش الصخري، بتفاصيله الدقيقة وتصويره للقوارب والشخصيات، يوفر نافذة نادرة على الحياة اليومية والمعتقدات الدينية في تلك الحقبة. على سبيل المثال، كانت القوارب رمزًا للانتقال والربط بين العالم الأرضي والإلهي، مما يشير إلى أن النقش قد يكون له دلالات دينية أو سياسية.
بالإضافة إلى ذلك، يعكس غياب رمز السريخ مع إله الصقر حورس أن النقش قد ينتمي إلى مرحلة انتقالية قبل تثبيت الرموز الملكية التي أصبحت سائدة لاحقًا. يُخطط الباحثون لدراسة النقش بشكل أعمق باستخدام تقنيات حديثة مثل التصوير ثلاثي الأبعاد لتحليل التفاصيل الدقيقة، مما قد يكشف عن مزيد من المعلومات حول السياق التاريخي والثقافي للنقش. هذا الاكتشاف يؤكد أهمية منطقة أسوان كمركز حيوي في مصر القديمة، ويُبرز دورها كمحور للتجارة والثقافة، مما يجعل هذا النقش خطوة أساسية نحو فهم أعمق لتاريخ الحضارة المصرية.