"تقوده الصين وتخشاه واشنطن".. تقرير دولي يحذر من سباق تسلح نووي جديد

في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية بين القوى الكبرى، تبرز الصين كلاعب نووي متسارع النمو، ما يثير قلقًا متزايدًا في الأوساط الغربية. فبحسب تقرير نشرته مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، فإن الترسانة النووية الصينية لم تعد مجرد قوة ردع دفاعية، بل باتت تمثل تهديدًا استراتيجيًا متناميًا يجب أن يقلق العالم بأسره.

ووصفت المجلة هذا التوسع بأنه أسرع نمو نووي تشهده دولة منذ نهاية الحرب الباردة، محذّرة من أن بكين تسعى إلى تغيير قواعد الردع النووي العالمي، عبر بناء منظومة متعددة المنصات تشمل البر والبحر والجو.

من الردع المحدود إلى التوسع الكمي والنوعي

على مدى عقود، حافظت الصين على ترسانة نووية محدودة نسبيًا، تعتمد على مبدأ الضربة الثانية فقط، أي الرد في حال التعرض لهجوم نووي. لكن هذا المبدأ بدأ يتغير جذريًا. وفقًا لتقرير نشرته نشرة علماء الذرة الأمريكية، فإن الصين تمتلك حاليًا نحو 600 رأس نووي، مع خطط لزيادتها إلى أكثر من 1000 بحلول عام 2030. كما تقوم بكين ببناء أكثر من 320 صومعة جديدة لصواريخها الباليستية العابرة للقارات، من طراز دي إف-41 ودي إف-5 بي، القادرة على حمل رؤوس متعددة موجهة بشكل مستقل، ما يعزز قدرتها على تجاوز أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكية.

ويشير تقرير اتحاد العلماء الأمريكيين إلى أن الصين هي الدولة الوحيدة من بين الدول التسع النووية التي تقوم بتوسيع ترسانتها بشكل كبير، في خرق غير معلن لروح معاهدة عدم الانتشار النووي. ويضيف التقرير أن هذا التوسع لا يقتصر على الكم، بل يشمل أيضًا تحديثًا تقنيًا واسعًا في أنظمة الإطلاق، بما في ذلك الغواصات النووية وصواريخ كروز فرط صوتية، ما يجعل الترسانة الصينية أكثر مرونة وقدرة على المناورة.

الرد الأمريكي: استئناف محتمل للتجارب النووية

في خطوة أثارت جدلًا واسعًا داخل الولايات المتحدة وخارجها، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 30 أكتوبر 2025 عن توجيه وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون لاستئناف التجارب النووية بعد توقف دام أكثر من ثلاثة عقود. ووفقًا لما نشرته مجلة ناشيونال إنترست، فإن ترامب برر هذه الخطوة بضرورة مواكبة برامج الاختبار التي تنفذها دول أخرى مثل روسيا والصين، مضيفًا عبر منصة تروث سوشيال أن الصين تحتل المرتبة الثالثة حاليًا، لكنها ستتساوى معنا خلال خمس سنوات إذا لم نتحرك.

هذا الإعلان جاء في وقت حساس، حيث كانت تجري محادثات تجارية بين ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ في مدينة بوسان الكورية، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كان التصعيد النووي جزءًا من استراتيجية تفاوضية أوسع، أم تعبيرًا عن قلق حقيقي من التفوق الصيني المتسارع.

خطة الصين الخمسية: الردع الاستراتيجي أولوية وطنية

بحسب تقرير نشرته صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست الصادرة في هونغ كونغ، فإن الخطة الخمسية الصينية الجديدة تضع تعزيز الردع الاستراتيجي في صدارة أولوياتها الدفاعية، مع تركيز خاص على تقليص الفجوة النووية مع الولايات المتحدة وروسيا. ويشير التقرير إلى أن بكين لم تعد تكتفي بسياسة الضربة الثانية التقليدية، بل تسعى إلى امتلاك قدرة نووية مرنة ومتعددة المنصات، تشمل البر والبحر والجو، وتسمح لها بالرد السريع والدقيق في حال نشوب أي صراع.

قلق دولي من غياب الشفافية الصينية

رغم أن الصين تؤكد التزامها بسياسة عدم الاستخدام الأول للأسلحة النووية، فإن غياب الشفافية حول حجم ترسانتها وخططها المستقبلية يثير قلقًا متزايدًا في واشنطن والعواصم الغربية. وقد دعت وزارة الدفاع الأمريكية مرارًا إلى حوار استراتيجي مع بكين حول الأسلحة النووية، لكن الأخيرة ترفض حتى الآن الانخراط في مفاوضات مماثلة لتلك التي جرت بين الولايات المتحدة وروسيا خلال الحرب الباردة، وفقًا لما ذكرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية.

ويحذر خبراء من أن هذا الغموض قد يؤدي إلى سوء تقدير في لحظات التوتر، خاصة في ظل غياب قنوات اتصال عسكرية مباشرة بين بكين وواشنطن، ما يزيد من خطر التصعيد غير المقصود.

سباق تسلح نووي جديد يلوح في الأفق

في ظل هذا التصعيد، يرى محللون أن العالم قد يكون على أعتاب سباق تسلح نووي جديد، لا تحكمه معاهدات واضحة، ولا توازنه عقيدة الردع التقليدية. ومع استمرار الصين في تحديث وتوسيع ترسانتها، واستعداد الولايات المتحدة للرد عبر استئناف التجارب، تبدو الحاجة ملحة لإعادة إحياء آليات الرقابة النووية، قبل أن تنزلق القوى الكبرى إلى مواجهة لا يمكن احتواؤها.

تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة لا تزال تحتفظ بأكبر ترسانة نووية في العالم، تقدر بنحو ٥٤٠٠ رأس نووي، منها حوالي ١٧٠٠ جاهزة للإطلاق الفوري عبر صواريخ باليستية وغواصات استراتيجية وقاذفات ثقيلة. روسيا تأتي في المرتبة الثانية بعدد يقارب ٤٤٠٠ رأس نووي، مع قدرات مماثلة في التوزيع الثلاثي (البر والبحر والجو)، وتاريخ طويل من التجارب والتحديثات. كلا البلدين يمتلكان منظومات إطلاق متقدمة، مثل صواريخ 'مينتمان ٣' الأمريكية و'سارمات' الروسية، إضافة إلى غواصات نووية من طراز 'أوهايو' و'بوري'، ما يمنحهما قدرة ردع مرنة وشاملة.

أما الصين، فقد دخلت السباق النووي بوتيرة متسارعة، حيث ارتفعت ترسانتها من أقل من ٣٠٠ رأس نووي قبل سنوات إلى نحو ٦٠٠ رأس حاليًا، مع خطط لتجاوز حاجز الألف بحلول عام ٢٠٣٠. ورغم أن بكين لا تزال تؤكد التزامها بسياسة 'عدم الاستخدام الأول'، فإن توسعها في بناء صوامع صواريخ جديدة، وتطوير صواريخ فرط صوتية وغواصات نووية، يشير إلى تحول في عقيدتها النووية نحو الردع المتعدد المنصات. هذا النمو السريع، مقارنة بالاستقرار النسبي في الترسانتين الأمريكية والروسية، يثير قلقًا متزايدًا في واشنطن، خاصة في ظل غياب الشفافية الصينية ورفضها الانخراط في مفاوضات الحد من التسلح.