اخبار مصر
موقع كل يوم -سي ان ان عربي
نشر بتاريخ: ١ تشرين الثاني ٢٠٢٥
(CNN) -- عندما تلقت روزين هينيغان اتصالا هاتفيا قبل 22 عاما يعلن عن اختيار شركتها المعمارية المكونة من 4 أشخاص لتصميم أحد أكبر المتاحف في العالم، ظنت أنها 'مزحة'، فاتصلت بالمسؤول مرة أخرى للتأكد من أن الأمر 'ليس خدعة'.
وقالت هينيغان، في مقابلة فيديو من دبلن، عاصمة أيرلندا، حيث تدير شركة هينيغان بينج للهندسة المعمارية إلى جانب زوجها شي فو بينج، لشبكة CNN: 'كان الأمر خياليا، تلقينا الاتصال، فأغلقت الهاتف لأن العمل كان في تلك الأيام يعتمد على الهاتف أو الرسائل والبريد، وقلت: أعتقد أننا فزنا'.
قبل 18 شهرا، في 2002، أطلقت الحكومة المصرية مسابقة دولية لتصميم متحفها المصري الكبير، وهو مجمع ضخم من المتوقع أن يضم 100 ألف قطعة أثرية قديمة على مرمى حجر من أهرامات الجيزة.
وما كان أكثر إثارة للدهشة من اختيار اقتراح شركة أيرلندية مغمورة من بين 1556 مشاركة، هو أن تحقيق رؤية هينيغان وبينج سيستغرق أكثر من عقدين، حيث أُعلن عن خطط المشروع لأول مرة في 1992، وميزانية تضخمت لتتجاوز مليار دولار.
والسبت، يفتتح متحف مصر الرائع أبوابه رسميًا بعد انقطاعات وتأخيرات وانتكاسات لا حصر لها، إنه مشروع بالغ الأهمية لاقتصاد البلاد القائم على السياحة، لدرجة أن الحكومة أعلنت عطلة رسمية بمناسبة افتتاحه.
وفي 2017، أدرجت شبكة CNN بتفاؤل المتحف، ضمن قائمتها 'لأكثر المباني المنتظر اكتمالها في 2018 في العالم'، قبل أن تُبدد جائحة كوفيد 19 آمال الافتتاح الوشيك.
وعندما سُئلت هينيغان عن التأخيرات المتتالية، قالت: 'المشاريع الكبيرة معقدة، هذا متحف كبير، وهم ينقلون قطعًا حساسة للغاية، لذا، إذا استغرق الأمر وقتًا أطول قليلاً وتم إنجازه بشكل صحيح، أعتقد أنه يستحق العناء'.
ووُصف المتحف، في البيان الصحفي للمهندسين المعماريين، بأنه 'شهادة على طول عمر الحضارة المصرية القديمة وضخامة حجمها'، كما يعكس صبر مصمميه. بالمقارنة، افتُتح مركز بومبيدو في باريس بعد ست سنوات فقط من الإعلان عن الفائز بمسابقة التصميم عام 1971.
وقالت هينغان إنها زارت المتحف آخر مرة، الذي كان لا يزال قيد الإنشاء آنذاك 'قبل بضع سنوات'، ولن تحضر حفل الافتتاح، السبت، ولأنها لم تُمنح أي دور إشرافي أثناء البناء، اعتمدت الشركة أحيانًا على الصور الفوتوغرافية وبرنامج غوغل إيرث لمتابعة تقدم البناء.
وذكرت أن في مصر، وفي العديد من المشاريع في تلك المنطقة، غالبًا ما تكون فرق الإشراف مختلفة تماما عن فريق التصميم.
وأضافت هينغان أيضًا أنه طرأت بعض التغييرات على التصميم الأصلي، ولكن هذا 'أمر متوقع' لمبنى بهذا الحجم.
وبالنسبة للمهندسة المعمارية البالغة من العمر 62 عامًا، والتي كانت في أواخر الثلاثينيات من عمرها عند الإعلان عن المسابقة، فإن رؤية المشروع وهو يُثمر كان يستحق الانتظار.
ومن بين هذه القطع الأثرية الهشة مخطوطات بردية عمرها آلاف السنين، ومنسوجات، وتوابيت، وفخار، وبقايا بشرية محنطة، وتمتد على مساحة عرض دائمة تزيد عن 258,000 قدم مربع، مما يجعلها في أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة.
وتُرتب المعارض حسب الحقبة التاريخية، من عصر ما قبل الأسرات إلى العصر القبطي - أو من حوالي 3000 قبل الميلاد إلى القرن السابع الميلادي.
وفي الوقت نفسه، يعرض معرض توت عنخ آمون 5000 قطعة عُثر عليها في مقبرة الملك الشاب.
وقالت هينغان عن رؤيتها الأصلية للتصميم: 'أردنا أن يُقدّر الزوار حجم المجموعة'.
مفي الخارج، تُرحب الحدائق المُشذّبة وساحة مفتوحة (مُكتملة بمسلة تزن 87 طنًا) بالزوار إلى الموقع.
ومع ذلك، تبدأ تجربة المتحف في بهو شاهق، حيث يقف تمثال رمسيس الثاني الذي يبلغ ارتفاعه 36 قدمًا في حراسة مهيبة.
وتمتد الزخارف الهرمية الزاوية المستخدمة في واجهة المبنى - المُعبّر عنها بالخرسانة والزجاج والحجر الجيري المحلي المصدر - إلى هذا الفناء الداخلي الفخم. تسمح طيات السقف بدخول كمية وافرة من الضوء إلى المساحة، وهي ميزة تُتيحها حقيقة أن القطع الأثرية الحجرية أقل تأثرًا بأشعة الشمس من القطع العضوية كاللوحات، على سبيل المثال.
وانطلاقًا من مبدأ المتاحف التقليدية، رأت هينغان أن ضوء النهار الطبيعي 'سيخلق أجواءً أفضل، بدلًا من التواجد دائمًا في مساحة مضاءة اصطناعيًا'.
والقطعة المركزية العملية هي درج من 6 طوابق، يقود زوار المتحف عبر آثار حجرية وتماثيل فرعونية مرتبة ترتيبًا زمنيًا عكسيًا ،وعلى قمته يقع أعظم عمل فني على الإطلاق: إطلالة مباشرة وواضحة على مجمع أهرامات الجيزة، على بُعد ما يزيد قليلًا عن ميل.
وكان تصميم معلم بارز بجوار إحدى عجائب الدنيا السبع القديمة مهمة شاقة لأي مهندس معماري.
واتسم نهج هينغان وبينغ بالاهتمام البصري، وكان هذا جزئيًا مسألة هندسية: فمنحدر سقف المتحف يشير مباشرةً إلى أعلى نقطة في الهرم الأكبر- ولكن ليس أعلى من ذلك، بحيث لا يتعدى المبنى، على الرغم من حجمه الضخم، على مظهر المبنى المجاور أو يُحجبه، وعند النظر إليه من الأعلى، تتسع أحجام المتحف مثل تلسكوب واسع العدسة، حيث تتوازى خطوط جدرانه رياضيًا مع المنظر الذي يخدمه.
في مكان آخر، تقع مرافق التخزين والحفظ، بما في ذلك 17 مختبرًا، في مكان أبعد، متصلة بالمتحف عبر نفق.
وقالت هينغان، واصفة تحدي مراعاة البيئة المحيطة أثناء التصميم: 'لقد تحدثنا عن ذلك باعتباره إنشاء حافة جديدة للهضبة الصحراوية. لطالما كان الأمر متوازنًا، إنه مبنى ضخم جدًا وذو أهمية بالغة'.
وأضافت أن السر يكمن في منح المتحف 'المكانة التي يستحقها'، ولكن فقط في 'الأفقي'، لا العمودي - أي دون إعاقة خط الأفق.
ولعل هذا الافتقار إلى الغرور المعماري هو ما مكّن هينيغان وبينغ من الفوز على مشاريع من أكثر من 80 دولة في 2003.
ورغم أن الفوز بالتكليف، بعد 4 سنوات فقط من تأسيس شركتهما، قد عزز مكانتهما العامة.
وقالت هينيغان: 'بالنسبة لنا، فتح لنا عالما واسعا من الإمكانيات'، مضيفةً: 'عرف الناس هويتنا بفضل المتحف'، إلا أنهما ظلا ملتزمين بتصميم مدروس وبسيط.
لكن الكثير تغير بالنسبة للثنائي خلال العقود التي تلت ذلك الاتصال الهاتفي المصيري، فقد افتتحت شركتهما مكتبًا في برلين، ويعمل لديهما الآن 20 شخصًا في مشاريع تجارية وسكنية وتعليمية ومدنية، كما أنتجَا أعمالًا معمارية ثقافية بارزة أخرى، من المتحف الفلسطيني في الضفة الغربية إلى مركز زوار جسر العمالقة في أيرلندا الشمالية.
ومع ذلك، تُصرّ هينيغان على تصميمها المُبتكر الذي لطالما اشتهرت به هي وشركتها لو طُلب منها اليوم تصميم أعرق متحف في مصر من الصفر، لما تغيّرت كثيرًا، على حدّ قولها.
وأضافت هينيغان: 'سيظلّ نهجنا مُتشابهًا إلى حدّ كبير، أعتقد أن البنية الأساسية للمشروع متينة للغاية، وصامدة على مر السنين'.


































