اخبار اليمن
موقع كل يوم -شبكة الأمة برس
نشر بتاريخ: ٦ تموز ٢٠٢٥
نشر تقرير طبي حديث حالة نادرة لامرأة في الخمسين من عمرها، أصيبت بمتلازمة 'الغيرة الوهمية' المعروفة باسم متلازمة عطيل، وذلك عقب تعرضها لجلطة دماغية غير شائعة. ورغم عدم معاناتها من أي اضطرابات نفسية سابقة، بدأت المرأة تعاني من أوهام راسخة تتعلق بخيانة زوجها، ما قاد لاحقًا إلى سلوك عدواني تجاهه، بحسب الرجل.
وبحسب التقرير المنشور في مجلة Neurocase ، تُعد متلازمة عطيل اضطرابًا نفسيًا نادرًا يتجلى في اعتقاد ثابت وخاطئ بأن الشريك عرضة للخيانة، حتى في غياب أي دليل موضوعي. وقد سُميت هذه الحالة تيمنًا بشخصية 'عطيل' في مسرحية وليم شكسبير، وهي تصنّف ضمن أشكال الذهان المرتبطة بالغيرة المرضية، وتظهر غالبًا لدى من يعانون من أمراض نفسية، أو إصابات دماغية، أو اضطرابات ناتجة عن تعاطي مواد معينة.
ويؤكد الأطباء أن هذه المتلازمة قد تنشأ في حالات نادرة بعد الإصابة بسكتة دماغية، لا سيما إذا طالت مناطق في الدماغ مسؤولة عن التنظيم العاطفي، والانتباه، والحكم على الأمور، مثل المهاد أو الفصوص الجبهية.
تفاصيل الحالة
كشفت الدراسة عن تطور اضطراب نفسي حاد لدى سيدة خمسينية عقب إصابتها بجلطة دماغية نادرة، رغم تمتعها بسجل صحي نفسي مستقر وغياب أي تاريخ مرضي عصبي سابق، باستثناء ارتفاع ضغط الدم غير المسيطر عليه.
وبحسب التقرير، كانت المريضة تعيش حياة زوجية مستقرة لأكثر من ثلاثين عامًا، قبل أن تتعرض لصداع مفاجئ وحاد في أثناء إعداد الطعام، تبعه اضطراب في الذاكرة والتفكير، ما استدعى نقلها إلى قسم الطوارئ.
وأظهرت فحوصات الرنين المغناطيسي إصابتها بـ'احتشاء المهاد الثنائي الجانبي'، وهو نوع نادر من الجلطات الدماغية يحدث بسبب انسداد شريان بيرشيرون (Percheron artery)، الذي يغذي جانبي المهاد معًا، مع تركّز الضرر في الجانب الأيمن، المرتبط بوظائف عاطفية وحسية وانتباهية.
وخلال فترة مكوثها في المستشفى، ظهرت عليها أعراض تشمل القلق، واضطرابات بصرية، وصعوبة في حركة العينين، وهي مؤشرات تتوافق مع إصابة المهاد. وبعد خروجها بعدة أيام، بدأت تظهر عليها سلوكيات غير معتادة، إذ اتهمت شقيقتها الصغرى، التي زارتها للاطمئنان على صحتها، بإقامة علاقة مع زوجها، قبل أن تتحوّل شكوكها لاحقًا إلى صديقة للعائلة، ثم إلى قريبات أخريات.
وسرعان ما تصاعدت تلك الأوهام إلى سلوكيات تجسسية وعدائية، إذ كانت تراقب هاتف زوجها سرًّا، وتبقى مستيقظة طوال الليل تراقبه، وتوقظه لتواجهه باتهامات لا أساس لها.
وفي تطوّر خطير، أقدمت على مهاجمته مرتين باستخدام آلة حادة، قبل أن تنكر هذه الأفعال لاحقًا، رغم استمرار نوبات غيرتها الشديدة واللاعقلانية.
التشخيص والعلاج
أظهرت التقييمات النفسية للمريضة تدهورًا ملحوظًا في الوظائف الإدراكية، شمل ضعفًا في الذاكرة والتركيز والانتباه، حيث سجّلت نتائج متدنية في اختبار الحالة العقلية المصغّر (MMSE) واختبار التقييم المعرفي في مونتريال (MoCA)، وبعد استبعاد أسباب أخرى محتملة مثل الخرف، والتسمم، أو الاضطرابات الاستقلابية، توصّل الأطباء إلى تشخيص حالتها على أنها متلازمة عطيل، ناجمة عن الجلطة التي أصابت منطقة المهاد في الدماغ.
وقد بدأت خطة العلاج باستخدام دواء كويتيابين (Quetiapine) المضاد للذهان، والذي ساعد جزئيًا في التخفيف من الأعراض، لكن مع عودة الهلاوس والشكوك، تم استبداله بدواء أولانزابين (Olanzapine)، ما أدى إلى تحسّن ملحوظ وأكثر استقرارًا.
وخلال عام من المتابعة، ومع تقليل الجرعة تدريجيًا، اختفت أعراض الغيرة الوهمية بالكامل، واستعادت المريضة إدراكها بأن شكوكها السابقة لم تكن صحيحة.
ورغم ندرة هذه الحالة، فإنها تُسلّط الضوء على أحد الأوجه المعقدة لما يُعرف بـ'الذهان ما بعد السكتة'، وهو نمط من الاضطرابات النفسية التي قد تظهر بعد الإصابة بجلطة دماغية، وتشمل في بعض الأحيان أوهام الغيرة كعرض شائع نسبيًا،وغالبًا ما تُسجَّل هذه الأعراض لدى المرضى الذين يتعرضون لتلف في نصف الدماغ الأيمن، خاصة في الفصوص الجبهية والجدارية، أو في بنى عميقة كالمهاد.
ويُعتبر المهاد مركزًا حيويًا في الدماغ، إذ يعمل كحلقة وصل بين المناطق التنفيذية في القشرة الجبهية والمراكز العاطفية كالجهاز الحوفي. وعند تعرّضه للتلف، تضعف الشبكات العصبية المسؤولة عن الانتباه، والإدراك الذاتي، وتنظيم الانفعالات، ما يُمهّد لظهور تصورات ذهانية وسلوكيات غير واقعية.
تحذير وتوصيات
وأكّد الباحثون أن الفحوصات الدماغية التي أُجريت للمريضة لم تُظهر أي مؤشرات على وجود خرف أو تلف في الأوعية الدموية الدقيقة، ما يدعم بشكل قاطع فرضية أن الجلطة الدماغية كانت السبب المباشر في ظهور أعراض متلازمة عطيل.
ولفتوا إلى أن هذه المتلازمة لا تقتصر على تأثيراتها النفسية، بل قد تتطور إلى سلوك عنيف جسدي، ما يجعل التشخيص المبكر والتدخل العلاجي السريع أمرًا بالغ الأهمية لحماية المريض والمحيطين به.
وفي الوقت نفسه، شدّد الباحثون على أن دراسات الحالة، رغم أهميتها، لا تُعد كافية لتحديد مدى شيوع هذه المتلازمة أو التنبؤ باستجابات المرضى للعلاج، نظرًا لاختلاف كل إصابة دماغية في طبيعتها وتأثيرها.
ومع ذلك، أكدوا أن توثيق هذه الحالات يُعد ذا قيمة كبيرة في مجالي الطب النفسي والعصبي، إذ يُسهم في الكشف عن الأعراض غير النمطية الناتجة عن إصابات الدماغ، ويفتح الباب أمام دراسات موسعة لفهم الروابط المعقدة بين السلوك البشري وتلف البُنى العصبية العميقة.