اخبار اليمن
موقع كل يوم -المهرية نت
نشر بتاريخ: ١ تموز ٢٠٢٥
مع بداية كل صيف، وتحديدًا من يونيو وحتى سبتمبر، تدخل جزيرة سقطرى مرحلة عزلة قاسية بفعل موسم الرياح الموسمية العاتية، التي لا تغيّر فقط ملامح الطقس، بل تعصف بحياة الناس واقتصادهم وتغلق عليهم أبواب الجزيرة في وجه البحر والبر والجو.
عزلة سنوية تتكرر بلا حلول
تتجاوز سرعة الرياح في هذه الفترة أكثر من 40 عقدة بحرية، ما يتسبب بإغلاق شبه كامل للميناء الرئيسي للجزيرة، وتعليق الحركة الملاحية بشكل كلي، نتيجة غياب الحواجز البحرية 'الأمواك' التي يمكن أن توفر الحماية للسفن داخل الميناء.
ولا تقتصر العزلة على البحر، فالرحلات الجوية إلى الجزيرة تصبح محدودة للغاية، وسط ارتفاع كبير في أسعار التذاكر، حيث تصل إلى مستويات تفوق قدرة غالبية السكان، مما يجعل السفر للعلاج أو التعليم أو حتى الحالات الطارئة أمراً شبه مستحيل.
شلل اقتصادي وأزمات متلاحقة
على المستوى الاقتصادي، يتوقف النشاط البحري كليًا خلال موسم الرياح، ما يعني شللاً تامًا في مهنة الصيد، التي تمثل مصدر الدخل الرئيسي لعدد كبير من الأسر السقطرية.
ويُعرف هذا التوقف محليًا بـ'موسم المِدّة' أو 'الحَرْف'، وهو تعبير عن الإغلاق الكامل للمنافذ البحرية نتيجة الرياح العاتية التي تضرب الأرخبيل.
ومع تعطل حركة الصيد والملاحة، تشهد الأسواق موجات غلاء متكررة في أسعار المواد الأساسية، سواء الغذائية أو الطبية أو حتى المحروقات، ويتزامن ذلك مع تدهور سعر صرف العملة المحلية، ما يجعل السكان بين مطرقة الحاجة وسندان الأسعار.
ويؤكد سكان محليون أن بعض التجار يستغلون الوضع بفرض احتكار على السلع الأساسية، في ظل غياب أي تدخل رسمي لضبط الأسواق، مما يزيد من تفاقم الأزمة المعيشية.
واقع منسي في الجهة الجنوبية
رغم أن الرياح تتركز بشكل رئيسي على السواحل الشمالية والمنخفضات، فإن المناطق الجنوبية والمرتفعات الوسطى من الجزيرة، مثل دِكسم وحَجْهَر، تشهد أجواء ضبابية باردة تتخللها زخات من المطر، في حين يبقى البحر في حالة هيجان دائمة، ويُعرف في هذه الفترة باسم 'دُومَر'، وهي تسمية محلية تعني 'الغضب البحري'، نتيجة تعذر أي تحرك للسفن الصغيرة وحتى القوارب.
نداء للسُلطات.. والواقع على حاله
ورغم أن هذا المشهد يتكرر كل عام، إلا أن السلطات المحلية التابعة للانتقالي والمدعومة من الإمارات لم تضع حتى الآن حلولاً استراتيجية دائمة للتعامل مع موسم الرياح، سواء عبر توفير خطوط نقل بديلة، أو تخزين استراتيجي للسلع الأساسية قبل بدء العزلة، أو دعم النقل الجوي بأسعار مناسبة.
ويطالب السكان بتدخل حكومي عاجل للحد من معاناتهم، لا سيما في ظل تزايد الفقر والبطالة وانعدام البدائل الاقتصادية، معتبرين أن الجزيرة تدفع ثمن الإهمال المزمن والتخطيط الغائب، رغم ما تمتلكه من أهمية بيئية واستراتيجية.
إن موسم الرياح في سقطرى ليس مجرد فصل من فصول المناخ، بل هو اختبار سنوي قاسٍ لبقاء السكان، الذين يواجهون الإغلاق والغلاء والعزلة بصبر لا يقابله أي اهتمام فعلي من الجهات المعنية، ومع استمرار التهميش، وسيطرة المليشيات على مرافق الدولة ومؤسساتها وإخضاع الكثير من الخدمات لشركات أجنبية، تبقى سقطرى جزيرة في مهب الريح، بكل ما تعنيه الكلمة.