اخبار اليمن
موقع كل يوم -الخبر اليمني
نشر بتاريخ: ٤ كانون الأول ٢٠٢٥
ضرار الطيب|
احتل التحضير لـ'الجولة القادمة' من الصراع مع العدو الإسرائيلي مساحة واسعة من مشهد ما بعد وقف إطلاق النار في غزة، وربما أكثر من المساحة التي يفترض أن يحظى بها اتفاق 'وقف الحرب'، إذ لم يقتصر الأمر على الاستعدادات البديهية المتوقعة لدى أطراف الصراع، فيما يتعلق بالقدرات والاستخبارات، بل كان هناك حرص واضح لدى قيادة العدو على تثبيت خيار مواصلة العمل ضد مختلف الجبهات برغم اتفاقات وقف إطلاق النار، وتهيئة الأجواء للمزيد من التصعيد، وقد تميزت الجبهة اليمنية بمواكبة هذا الموقف، من خلال تحضيرات شاملة معلنة وغير معلنة عكست حقيقة أن الجولة القادمة أصبحت واقعا يتشكل بالفعل حاليا، ويتطلب حضورا كبيرا واصطداما بالعدو على مستوى الاستعدادات.
لم تكن تصريحات قيادة الجبهة اليمنية بشأن ضرورة الاستعداد لجولة قتال قادمة 'حتما' مع العدو الإسرائيلي، عقب دخول وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ، مبنية على مجرد 'احتمال' أن يتجدد الصراع مرة أخرى، بل كانت تستند إلى قراءة واضحة وقاطعة تفيد صراحة بأن العدو سيستأنف بدون شك حربه العدوانية سواء على الجبهة الفلسطينية أو على جبهات أخرى، وقد ثبتت صحة هذه القراء سريعا عندما عبر قادة العدو عن نواياهم الواضحة لمواصلة التحرك ضد 'أعدائهم' بما في ذلك الجبهة اليمنية بالتحديد.
وبينما من البديهي أن يحظى تطوير القدرات العسكرية والاستخباراتية باهتمام بالغ بعد جولة القتال السابقة -سواء مع الجزم بحتمية تجدد الصراع أو بدونها- فإن طبيعة التحضيرات اليمنية المعلنة كشفت حرصا على أن تغطي الاستعدادات احتمالية اندلاع الجولة القادمة في وقت قريب، فعمليات التحشيد القبلي الواسعة، وأنشطة التعبئة والتأهيل المكثفة للقوات الشعبية والنظامية، أعطت انطباعا واضحا بأن المواجهة القادمة لم تعد حدثا مرتقبا يرتبط كليا بتوقيت انفجار غير معروف، بل أننا أصبحنا فعليا في مراحلها الأولى، وهي تتطور بشكل غير بطيء.
هذا ما أكدته التحركات الأمريكية والبريطانية لتجنيد شركاء إقليميين ومحليين للتصعيد ضد اليمن، بما في ذلك محاولة استصدار قرار دولي يجيز اعتراض السفن المتجهة إلى موانئ الحديدة وتقييد واردات السلع إلى اليمن، ومساعي تفعيل هذا المسار خلف واجهة مليشيات محلية بإشراف بريطاني مباشر وبمشاركة سعودية معلنة لم يقتصر على تقديم الأموال والمعدات، بل شمل أيضا إجراء مناورات تدريبية واسعة.
وفيما تعكس تحضيرات صنعاء حرصا واضحا على تغطية متطلبات خوض مواجهة متعددة الجبهات، بما في ذلك ضد السعودية والإمارات ومليشياتهما المحلية، فإن هذا الحرص لا يبدو مستندا فقط إلى 'احتمالية' اندلاع مثل هذه المواجهة ضمن الجولة القادمة، لأن التحركات العدائية المشتركة لهذه الأطراف تمضي في مسار تصاعدي واضح، وحتى إن كانت هناك جهات لا تبدي ظاهريا اندفاعا كبيرا لتفجير تصعيد واسع ضد اليمن، فإنه من المؤكد أنها لن تقف على 'الحياد' في الجولة القادمة، مثلما لم تفعل في الماضي، فقد استضافت السعودية وكانت جزءا من غرفة عمليات مشتركة مع الولايات المتحدة وإسرائيل خلال الجولة السابقة وحاولت أن تفتح بنفسها مسارات تصعيد ضد صنعاء (تخلت عنها خوفا من التداعيات لكنها لم تتخل عن الموقف العدائي) والحقيقة أن ما تبديه الرياض الآن من الاندفاع للتصعيد أكثر بكثير مما أبدته في الجولة السابقة، وبالتالي فإن خوض مواجهة متعددة الجبهات بالنسبة لصنعاء هو أمر ليس بعيدا عن الطبيعة 'الحتمية' للجولة القادمة.
بالإضافة إلى ذلك، لا يتوقف الإسرائيليون عن تأكيد حاجتهم ماسة إلى خيار تجنيد الشركاء الإقليميين والمحليين لمواجهة صنعاء، وضرورة تلبية هذه الحاجة.
مع تحذيره من أن خروج صنعاء من جولة المواجهة السابقة غير مردوعة سيشجعها على توسيع نطاق دورها وتأثيرها، وأن إسرائيل ستصطدم بالجبهة اليمنية حتما في أي سيناريو للتصعيد، كتب المسؤول السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية داني سيترينوفيتش مؤخرا أن 'على إسرائيل التحرك دبلوماسيا في جنوب اليمن والعمل المشترك مع دول الخليج، بهدف تحسين قدرتها على مواجهة الحوثيين، وهو أمرٌ مرجح، عاجلاً أم آجلاً' حسب تعبيره.
صحيح أن تحضيرات العدو لا تكفي للجزم تماما بطبيعة وتوقيت الانفجار، لكن تغطية كل المتطلبات بالنسبة لصنعاء لا تعتبر مجرد 'رفاهية' لأن الانفجار حتمي، وجميع 'الاحتمالات' ضمن هذه الحتمية ليست من ذلك النوع الذي يقبل الاستبعاد لعدم ترجيح وقوعه، فبرغم أن إسرائيل تحتاج إلى 'إقناع' الولايات المتحدة بالعودة إلى المواجهة حسب ما يرى سيترينوفيتش، وبرغم أن السعودية والإمارات ليستا على نفس الصفحة فيما يتعلق بالعودة إلى القتال في اليمن، كما يقدّر مركز (ستراتفور) الأمريكي للاستخبارات، فإن هذه الأطروحات لا تبرر تجاهل حقيقة أن قوة مشتركة تتشكل بالفعل لعسكرة البحر الأحمر وحصار اليمن وتعويض الفشل الذي ترغب الولايات المتحدة بشدة في تجاوزه، أو تجاهل الحرص الإسرائيلي على امتلاك وإظهار قدرة على العمل المستمر ضد كل جبهات المحور حتى في ظل أي اتفاق لوقف إطلاق النار، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بعدو 'لم يتضرر بما يكفي' في نظر الإسرائيليين، ويجب وضع حد لتنامي 'قدراته المستقلة'.
لقد أبدى نتنياهو حرصا واضحا على أن 'ينتبه الرأي العام الإسرائيلي' للتهديد اليمني، وصرح وزير حرب العدو مؤخرا بأن اليمنيين يخططون لعملية برية ضد إسرائيل من داخل أراضي سوريا (التي بات يسيطر عليها نظام يعادي حركات المقاومة أصلا ويحرص بشدة على تأكيد أنه بلاده 'لن تكون تهديدا' لإسرائيل) وهو تصريح يرى الباحث الإسرائيلي يوسي مانشروف أن هدفه 'إظهار يقظة إسرائيل' وتطبيق 'مفهوم أمني محدث' يقضي باستباق أي إمكانية لوجود تهديد.
ونقلت صحيفة 'معاريف' مؤخرا عن مصدر أمني داخل كيان العدو قوله: 'ندرك محاولة الحوثيين لمحاربة إسرائيل مجددًا، وهم يبحثون عن مبرر لذلك'.
هذه التناولات توضح أن العدو الإسرائيلي يهيئ الأجواء بالفعل للجولة القادمة حتى على المستوى الإعلامي والنفسي، فضلا عن المستويات العملياتية، ولا يقتصر ذلك على الجبهة اليمنية، بل يشمل مختلف جبهات المحور بما في ذلك إيران، ولذلك فإن تحضيرات صنعاء الشاملة والمكثفة ليست 'مبالغة' في الحذر أو التوجس، كما أنها ليست ارتباكا بأي حال من الأحوال. إنها تنسجم تماما مع تفاصيل خطط وتوجهات العدو، وتنسجم بشكل عام مع واقع ما بعد 'طوفان الأقصى' الذي لا يمكن لأحد الجزم بأن الهدوء الحقيقي سيكون جزءا منه، ولو بصورة مرحلية كما كان الحال في الماضي، والحقيقة أن العدو قد جعل العمليات العسكرية والقصف والاغتيالات جزءا أساسيا من يوميات المشهد الإقليمي الراهن، بعد أن حوّل اتفاقات 'وقف إطلاق النار' إلى تكتيك قتالي وسياسي، لأن تطبيقها بالشكل المطلوب أصبح مرهونا بـ'إخضاع' جبهات المقاومة، حسب تعبير المبعوث الأمريكي توم باراك.
حتى التقييمات التجارية للوضع في البحر الأحمر ترى بوضوح هذا الوضع، حيث أكدت خدمة 'كبلر' لتحليل البيانات أنه برغم المؤشرات الإيجابية المتزايدة على عودة شركات الشحن، فإن 'شركات التأمين ستحافظ على تسعير سيناريوهات المخاطر لمراعاة احتمالية الانتكاس السريع' مشيرة إلى أن انخفاض أقساط التأمين 'يتطلب تهدئةً مستدامة…. وتقدمًا سياسيًا ملموسًا في الصراعات الكامنة، ووقتًا كافيًا لتراكم البيانات التي تُثبت أن بيئة المخاطر قد تغيرت جذريًا، وحتى ذلك الحين، ستظل أقساط التأمين المرتفعة، والاختيار الدقيق للسفن، وبروتوكولات الأمن القوية، وإدارة المخاطر المتحفظة، من السمات الأساسية للعمليات البحرية في البحر الأحمر، وليس مجرد إزعاجات مؤقتة، بل حقائق دائمة لمشهد المخاطر الجديد'.
لقد عكست دعوة القيادة اليمنية للخروج الشعبي في 30 نوفمبر، والرسائل والعناوين التي حملها هذا الخروج، حرصا واضحا على ممارسة الاستعداد الشامل للجولة القادمة عمليا، حتى على 'جبهة المظاهرات'، وهو ما يوضح حجم تزايد حضور ملامح هذه الجولة في مشهد الوضع الراهن، وصعوبة تجاهل هذا الحضور.
إن مواجهة جديدة مع العدو قد بالفعل في مستويات معينة، حتى أن الانفجار القادم قد يبدو 'طبيعيا' نوعا ما في سياق التحضيرات القائمة، وهو أمر إيجابي تماما بالنسبة لصنعاء.













































