اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٦ حزيران ٢٠٢٥
تمضي إسرائيل بهدوء في تنفيذ سياسة ممنهجة تستهدف تغيير معالم المدينتين المقدستين، القدس والخليل، عبر إجراءات تضرب في جوهرها أحد أهم الحقوق الأساسية للإنسان، وهو الحق في العبادة.
فمنذ بداية العدوان على إيران، أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي على فرض حصار خانق على البلدة القديمة في الخليل، وأغلقت المسجد الإبراهيمي بشكل كامل، ومنعت الموظفين والمصلين من الوصول إليه. وفي الوقت ذاته، أغلقت بوابات المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة في القدس، في خطوة وُصفت بأنها قرار سياسي يهدف إلى فرض 'السيادة الكاملة' للاحتلال على المقدسات الإسلامية والمسيحية، لا إجراءً أمنياً كما تدّعي حكومة بنيامين نتنياهو.
في البلدة القديمة بالخليل، التي تخضع بالكامل للسيطرة الإسرائيلية بموجب اتفاق الخليل لعام 1997، حوّلت سلطات الاحتلال المدينة إلى ما يشبه 'السجن الكبير'، وفق وصف سكانها، حيث يعيش نحو 400 مستوطن بحماية 1500 جندي إسرائيلي، في مقابل حصار مشدد على السكان الفلسطينيين.
يؤكد عماد أبو شمسية، رئيس تجمع المدافعين عن حقوق الإنسان في الخليل، أن قوات الاحتلال أغلقت كافة الحواجز المؤدية إلى البلدة القديمة، بما في ذلك أكثر من 100 حاجز داخلي حولت الأحياء إلى كانتونات صغيرة، ويُمنع السكان من التنقل أو إدخال الاحتياجات الأساسية، فيما أُغلق المسجد الإبراهيمي تمامًا منذ بدء العدوان على إيران.
ويقول أبو شمسية لصحيفة 'فلسطين' إن (إسرائيل) 'تستغل الانشغال الدولي بتطورات المنطقة لفرض وقائع جديدة، على رأسها تفريغ البلدة القديمة من سكانها وتحويلها إلى حي استيطاني كبير'، محذرًا من أن هذه السياسات هي جزء من 'برنامج استيطاني متكامل'.
من جانبه، يصف مدير المسجد الإبراهيمي، معتز أبو سنينة، الإغلاق بأنه 'اعتداء سافر على ثاني أقدس المقدسات الإسلامية في فلسطين'، مؤكدًا أن الاحتلال يمنع دخول الموظفين والمصلين والحراس إلى المسجد، ويحرم رفع الأذان في مآذنه.
ويضيف أبو سنينة لـ'فلسطين': 'الاحتلال يفرض أمرًا واقعًا بقوة السلاح، ويحاول سحب صلاحيات وزارة الأوقاف الفلسطينية تدريجيًا، تمهيدًا لفرض سيادته الكاملة على المكان'، مؤكدًا أن المسجد الإبراهيمي 'إسلامي خالص، لا حق لليهود فيه، ولا شرعية لأي قرار إسرائيلي بالتحكم فيه'.
الوضع في القدس لا يختلف كثيرًا؛ فالإغلاق الكامل الذي طال المسجد الأقصى وكنيسة القيامة يأتي في سياق 'قرار سياسي بامتياز'، بحسب ما يؤكده الباحث في شؤون القدس، عبد الله معروف، الذي يرى أن حكومة نتنياهو تتعامل مع القدس، بكل مكوناتها، كما تتعامل مع تل أبيب، في إشارة إلى محاولات فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على المدينة المحتلة.
ويقول معروف لصحيفة فلسطين: 'القرار لم يُطبق على مساجد الضفة الغربية في رام الله أو نابلس أو الخليل، بل فقط على المسجد الأقصى وكنيسة القيامة داخل البلدة القديمة، في خطوة تؤكد أن الاحتلال لم يعد يتعامل مع القدس كأرض محتلة، بل كعاصمة موحدة له'.
ويحذر معروف من أن الاحتلال يسعى إلى فرض واقع جديد داخل الأقصى تحت غطاء الأحداث الإقليمية، متسائلًا: 'ما هو الواقع الجديد الذي يريد الاحتلال أن نستيقظ عليه في المسجد الأقصى بعد رفع الحصار؟'.
ويضيف بتحذير لافت: 'هناك دعوات تحريضية خطيرة نُشرت مؤخرًا، مثل مقطع للحاخام يوسيف مزراحي المقيم في نيويورك، دعا فيه صراحة إلى استهداف المسجد الأقصى بصاروخ يُنسب زورًا إلى إيران. هذه التصريحات تكشف عن نوايا مبيّتة يجب ألا تُؤخذ باستخفاف'.
ويشدد معروف على ضرورة التحرك الشعبي في القدس لمواجهة هذه التهديدات، مؤكدًا أن 'التصعيد الشعبي هو الكابوس الحقيقي الذي يخشاه الاحتلال'، مضيفًا: 'ثمن الصمت في هذه المرحلة سيكون مرتفعًا جدًا'.
وبحسب القانون الدولي، يُعد الحق في العبادة من الحقوق الأساسية المكفولة، وينبغي على سلطات الاحتلال – باعتبارها قوة قائمة بالاحتلال – أن تضمن حرية الوصول إلى أماكن العبادة، لا أن تتحكم بها أو تغلقها. لكن إسرائيل، كما يؤكد تقرير مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، تمارس سياسة منهجية في تقييد هذه الحريات، لا سيما في أوقات التصعيد، ما يُعد 'انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي الإنساني، وقد يرقى إلى جريمة حرب'.
وفي ظل هذه الانتهاكات، تبرز الحاجة الماسة إلى تحرك قانوني وسياسي دولي فاعل، يعيد الاعتبار لحرمة الأماكن المقدسة، ويوقف سياسات التهويد التي تستغل الحروب والأزمات لفرض واقع استيطاني جديد في أكثر المناطق قدسيةً وحساسيةً في الأراضي الفلسطينية المحتلة.