كشف مدير مؤسسة 'الحق' شعوان جبارين أمس، أن مجموعة من المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والأمريكية تعمل على تجهيز ملفات قانونية ضد الجهات المتورطة بـ'جريمة الإبادة الجماعية'.

وقال جبارين، الذي يشغل منصب الأمين العام للفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، في حديث خاص لصحيفة 'فلسطين'، إن ما تسمى 'مؤسسة غزة الإنسانية' الإسرائيلية المدعومة أمريكيا ستكون أحد أهداف هذه الملاحقة القانونية التي ستُقدم أمام القضاء الأمريكي وجهات أوروبية، لكونها متورطة مباشرة في تقديم غطاء زائف لأعمال القتل.

وحمّل جبارين الإدارة الأمريكية مسؤولية مباشرة عن هذه الجرائم، قائلاً: 'الولايات المتحدة ليست فقط داعمًا سياسيًا أو ماليًا، بل شريك فعلي في الجريمة، سواء من خلال صفقات السلاح، أو عبر التغطية السياسية والدبلوماسية في المحافل الدولية'.

وأوضح أن ما يجري في قطاع غزة يتجاوز كل القواعد والمبادئ الأخلاقية والقانونية، ويشكل 'جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان' تشارك فيها أطراف متعددة تحت غطاء 'المساعدات الإنسانية'.

وأكد أن ما يُطلق عليه 'مؤسسة غزة الإنسانية' ليس سوى غطاء سياسي لممارسات تنتهك القانون الدولي الإنساني، وتشارك بشكل مباشر في عمليات القتل الممنهج والتجويع، متابعاً: 'ما يسمى مساعدات، ليست سوى مصائد موت. يتم دفع الناس إلى حافة الجوع، ثم يُستهدفون بالنار حين يسعون لسد رمقهم'.

وأشار الحقوقي الفلسطيني إلى أن الاعترافات الأخيرة التي نشرتها صحيفة هآرتس العبرية أول من أمس، والتي تضمنت شهادات لضباط كبار في جيش الاحتلال، تثبت أن ما يجري في غزة يتم بأوامر عسكرية عليا، وبقرار سياسي رسمي، وليس نتيجة تصرفات فردية.

وقال جبارين: 'لم يعد الأمر محل توقع أو تقدير؛ هناك شهادات رسمية تؤكد أن أوامر القتل وإطلاق النار على المدنيين صدرت من أعلى الهرم العسكري الإسرائيلي. هذا يعني أننا أمام سياسة دولة ممنهجة تهدف إلى الإبادة، وليست تجاوزات معزولة'.

وكانت صحيفة 'هآرتس' العبرية نشرت اعترافات لضباط وجنود الاحتلال تؤكد أن قادة الجيش هم الذين أصدروا أوامر بإطلاق النار نحو مدنيين بدعوى تفريقهم وإبعادهم، رغم عدم تشكليهم خطراً على الجنود.

وفي المقابل، طالبت النيابة العسكرية وحدة التحقيق التابعة لهيئة الأركان العامة بالتحقيق في شبهات ارتكاب جرائم حرب في هذه المواقع، ليس حرصاً على حياة الفلسطينيين، ولكن خشية الملاحقات الدولية.

وقال أحد الجنود: 'هذا ميدان قتل. في المكان الذي كنت فيه، كان يُقتل يومياً ما بين شخص إلى خمسة، يُطلق عليهم النار كما لو كانوا قوة مهاجمة. لا تُستخدم وسائل تفريق التظاهرات، ولا يُطلق غاز، بل يُطلق كل ما يمكن تخيّله، نيران رشاش ثقيل، وقنابل، وقذائف هاون. ثم، عندما تُفتح نقطة التوزيع، يتوقف إطلاق النار، وهم يعرفون أنه يمكنهم الاقتراب. نحن نتواصل معهم عبر النار'.

وشدد جبارين على أن 'ما يجري في غزة لا يحتاج إلى مزيد من الأدلة، وإنما إلى إرادة سياسية حقيقية لوقف الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها'.

وأوضح: 'المجتمع الدولي كله، بما فيه الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، مطالب باتخاذ إجراءات فعلية. لا نتحدث عن مواقف إنسانية أو أخلاقية فحسب، بل عن واجبات قانونية ملزمة تنص عليها اتفاقيات جنيف والقانون الدولي. الصمت يعني التواطؤ، والازدواجية في تطبيق القانون باتت مكشوفة'.

الميدان يفرض المعادلة

وأضاف جبارين أن ما يفرض التحولات في المشهد ليس الضغط الدولي فقط، بل 'ما يجري على أرض الميدان'، مشيرًا إلى أن الاحتلال الإسرائيلي بدأ يشعر بتداعيات هذه الجرائم، حتى على مستوى الجنود الذين 'يبدأ بعضهم بالتهرب من الخدمة، ليس بدافع أخلاقي، بل من الخوف والقلق'.

وأكد أن أي انفراجة محتملة في الأيام القادمة، إن حدثت، فستكون نتيجة لصمود الشعب الفلسطيني وليس تنازلاً من الاحتلال، قائلاً: 'الاحتلال بات يستخدم التجويع كوسيلة ضغط على المقاومة، في محاولة لفرض معادلات سياسية'.

وبيّن أن جميع الجرائم التي ارتكبها الاحتلال في غزة – من حصار وإغلاق المعابر، ومنع دخول المساعدات، وحرمان السكان من الرعاية الطبية والتعليم – كلها موصوفة في القانون الدولي كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وختم حديثه 'ليست المشكلة في غياب النصوص، بل في غياب الإرادة السياسية، وازدواجية المعايير، وتسييس العدالة. غزة عرّت الجميع، وأظهرت النفاق الدولي؛ هذه أول جريمة إبادة جماعية تُبث على الهواء مباشرة'.

وكان المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين 'أونروا' فيليب لازاريني قال في كلمته باجتماع اللجنة الاستشارية لأونروا: 'في غزة، يتعرضون مليونا شخص للتجويع في الوقت الذي تقبع فيه الامدادات الغذائية والطبية على الحدود. هذا أمر شنيع جداً'.

وأضاف 'تم تأسيس ما يُسمى 'آلية مساعدات' لتحل محل عملية المساعدة الدولية القائمة على مبادئ وبقيادة الأمم المتحدة، والتي تعد الأونروا جزءاً أساسياً منها. إن هذه الآلية الجديدة بغيضة وتؤدي لإزهاق الأرواح'.