اخبار لبنان
موقع كل يوم -أي أم ليبانون
نشر بتاريخ: ١٥ تموز ٢٠٢٥
كتب سامر زريق في 'نداء الوطن':
تصريحات توم برّاك حول إلحاق لبنان بـ'بلاد الشام'، كانت بمثابة قنبلة تحمل صاعقًا 'تاريخيًا' ألقاها الموفد الأميركي على الطريقة 'الترامبية'، وشكلت مؤشرًا إلى مدى ارتفاع الضغوط الخارجية على لبنان، كما أنها ترتبط بالخبر الذي ساقه الإعلام الإسرائيلي حول ضم طرابلس وبعض البقاع إلى سوريا، لتمسي عاملًا مكملًا لها يزيد من حدة الضغوط الداخلية على أركان السلطة، وسط تصاعد حملات التكفير والتخوين المتبادلة.
في القلب من هذه الحملات يبرز 'العهد' وكيفية تعامله مع هذه المتغيرات، بمقاربة ترتكز على استراتيجية دفاعية تروم تثبيت دعائم المرحلة الانتقالية عبر خطوات صغيرة يرى أنها أكثر استدامة وموثوقية في ظل حالة عدم اليقين السائدة، من استراتيجية هجومية ترتكز على اندفاعة كبيرة محفوفة بحسابات متضاربة.
بيد أن هذه الاستراتيجية التي تبدو غير مقنعة للقوى الداعمة للتغيير بسبب ما تتسم به من بطء بالمقارنة مع سرعة التحولات في المنطقة، فإنها مرفوضة من قوى متحفزّة للصدامات السياسية والفتن الدينية وحتى الأمنية، والتي أطلقت العنان لحاشيتها الإعلامية كي توغل في ذمّ 'العهد' والحكومة ورجالاتهما، واستخدام فزّاعة التكفيريين و'فوبيا' أحمد الشرع المستجدة لإرساء مناخ مشحون وشديد التوتر.
من المثير أن بعضًا ممّن يقفون خلف ترويج هذا المناخ هم من طالبي المواعيد من المسؤولين السوريين ضمن مساعٍ تروم صياغة علاقة مع أركان النظام الجديد على حساب الدولة، بينما واقع الحال أن ثمة قنوات تواصل مؤسساتية متينة بين بيروت ودمشق تعمل على احتواء الإشكاليات الناشئة ومعالجتها بفعالية، ومنها قضية الموقوفين السوريين، حيث تشير المعلومات إلى زيارة لوزير العدل السوري مظهر الويس إلى لبنان لتسوية هذه القضية وفق الأطر القانونية.
والاستراتيجية نفسها تسري على الداخل، فمع أن 'العهد' يميل إلى تقنين الكلام والمواقف لحساسية اللحظة التي تمرّ بها البلاد، إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود تواصل مستدام ومنتج مع القوى الدينية والمجتمعية في لبنان ولا سيما دار الفتوى، التي نسقت مع بعبدا عشية زيارة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان إلى دمشق، وتحضّر لزيارة قريبة يجريها دريان إلى 'القصر الجمهوري' يتمّ العمل على إنضاج نتائجها.
ورغم سياسة التحفظ، إلا أن الرئيس جوزاف عون لا ينفكّ عن تكرار جملة 'مفتاحية' في لقاءاته حول 'حصرية السلاح' في يد الدولة من أجل ترسيخها في العقل الجماعي. والطريق إلى تحقيق هذه الغاية يكون إما بالقوة، وهذا غير مطروح من قبل أي جهة خارجية أو محلية، وإما بالتفاوض، حيث التباين أو الالتباس حول منهجية هذه المفاوضات.
ذلك أن الإشكالية الجوهرية التي تقوّض مسار التفاوض تكمن في بحث 'حزب الله' عن مقايضة مستحيلة مع أميركا وإسرائيل، يستخدم فيها سلاحه كورقة ابتزاز للحصول على مكاسب ضمن بنية النظام بعد تقاعده الحربي، المعبّر عنها بطروحات مثل 'الحرس الوطني اللبناني' و'المثالثة' وسواها من الأفكار المتداولة، فيما سلاحه صار بضاعة 'مُزجاة' غير صالحة سوى لصفقة واحدة: التقاط اليد الممدودة من قبل الدولة من أجل الانضمام إلى مشروعها كفصيل سياسي فقط.
والحال أن تصعيد 'البروباغندا' الدعائية لـ 'حزب الله' لـ 'كابوس' أحمد الشرع، وتحويله إلى هاجس يخيف به حاضنته، جعلت منه واشنطن سلاحًا تستخدمه بفعالية لزيادة الضغط عليه ودفعه أكثر للقبول بالصفقة المتاحة اليوم. وبينما يواصل 'الحزب' هجومه المتهوّر على السلطة، فإنه لا يسعها سوى اتباع تكتيك الدفاع في مناطق منخفضة، والتعويل على إنهاكه من خلال ترك الضغوط الخارجية تأخذ مداها، مع رفدها بالأدوات المحلية المتاحة لتفكيك بعض عناصر قوته. ومن ثم استغلال نقاط الضعف التي يظهرها لشن هجمة مرتدة 'دولتية' منظمة، تتيح تسجيل هدف الحسم قبل أن يطلق الحكم صافرة نهاية المباراة.
في موازاة العمل على إصلاح علاقات لبنان الخارجية وتجسير الفجوات التي كانت قائمة خصوصاً مع دول الخليج، من أجل إعادة صياغة دور جديد في المعادلة الإقليمية الناشئة يتناسب مع مصالح البلاد وإمكانياتها. ناهيكم عن إطلاق ديناميات إصلاحية داخلية تتمثل بمسارات المحاسبة القضائية، التي رغم ما يطالها من تشكيك إلا أنها تعد أساسًا يمكن الارتكاز عليه لتفكيك شبكة معقدة من مصالح ومراكز قوى سياسية واقتصادية واجتماعية نمت على هامش الدولة، وتنشط في 'مقاومة' أي مسار تغييري في مهده للحفاظ على ديمومتها.