اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٧ أيار ٢٠٢٥
في ليلة كغيرها من ليالي الحرب، كانت عائلة الغندور تحاول أن تنام، تلوذ بحلم صغير ينقذها من كابوس الواقع الذي لا ينتهي. إلى الغرب قليلًا من مدينة بيت لاهيا، شمال غرب قطاع غزة، كان منزل عمر الغندور يحتضن أكثر من 30 نازحًا، جميعهم هربوا من نيران الحرب المستعرة منذ 18 شهرًا، بحثًا عن مأوى آمن.
لكن فجر أول من أمس كان مختلفًا؛ إذ قصفت طائرات الاحتلال من طراز 'F16' المنزل بصواريخ مدمرة، فأحالت الحلم إلى رماد، وأسقطت خمسة شهداء من العائلة، وأصابت أكثر من ثلاثين آخرين بجروح.
تحت الأنقاض
يروي عمر، في الثلاثينيات من عمره، بصوت مخنوق بالحزن والذهول: 'كنت نائمًا مع أولادي وزوجتي ومن معنا من النازحين، وفجأة اهتز المكان بانفجار مرعب، لم نرَ شيئًا سوى الغبار والنار. صرخنا من تحت الركام نحاول النجاة، بعضنا خرج بنفسه وبدأ يساعد الآخرين، وجاء عدد من الجيران والطواقم الطبية بعد وقت بدا وكأنه دهر، لانتشالنا من تحت الأنقاض.'
في المستشفى الإندونيسي شمال غزة، جلس 'عمر' على سريره، جراحه ظاهرة، وصدمة الفقد أكبر من أن تُخفى. يقول لـ 'فلسطين أون لاين' وهو يحاول أن يتمالك دموعه: 'فقدت زوجتي، وبنتي سلمي (4 سنوات)، وبنت عمتي إيمان (18 عامًا)، وشقيقها محمود (14 عامًا)، وبنت عمتي راما (8 سنوات).. استشهدوا جميعًا.'
ويتابع بحزن: 'راما، الطفلة الهادئة، لقيت مصير والدها الذي استشهد في الأسبوع الأول من الحرب التي اندلعت في 7 أكتوبر 2023.'
ويكمل: 'جيش الاحتلال اعتقل أحمد، والد الشهيدين محمود وإيمان، في نوفمبر 2024 خلال اجتياح مخيم جباليا، ولم يُكتب له وداعهم.. ولا نعلم مصيره حتى الآن.'
يتوقف الغندور لثوانٍ معدودة، وكأن الكلمات تخونه، ثم يقول: 'ما عملناش شيء.. كنا نايمين، بس كنا هدف لصواريخ وزنها أكثر من طن.'
ويضيف وقد بدا عليه الإنهاك: 'بحثت عن زوجتي بين الركام، بس ما قدرت أوصل إلها بسبب الدمار والقصف المتواصل. عرفنا إنها استشهدت، ولسّه جثتها تحت الأنقاض. ما قدرنا نواريها الثرى.. حتى الموت ما أعطوها حقه.'
وضع مأساوي
إلى جوار عمر، جلس شقيقه إبراهيم يحاول مواساته ويشد من أزره. يقول لـ'فلسطين أون لاين': 'محمود وحلا، أبناء عمر، بين الحياة والموت في مستشفى العودة.. محتاجين عمليات عاجلة، وما في أدوية كافية، ولا مستلزمات طبية.. الوضع مأساوي بكل معنى الكلمة.'
ويضيف إبراهيم: 'عمر ظل يتنقل من مكان إلى آخر هربًا من الموت، ومع انسحاب قوات الاحتلال مؤخرًا من شمال القطاع، عاد إلى منزله معتقدًا أنه أصبح آمنًا.. لكنه لم يعلم أن صواريخ الاحتلال كانت تنتظره هو وعائلته.'
ويتساءل الغندور بحرقة: 'شو ذنبنا؟ شو ذنب الأطفال والنساء؟ العالم وين؟ حقوق الإنسان وينها؟'
في صبيحة ذلك اليوم، لم تكن عائلة الغندور وحدها المستهدفة. وبحسب مصادر طبية، ارتكبت قوات الاحتلال عدة مجازر في بيت لاهيا ومخيم جباليا، طالت عائلات: التتري، الزيناتي، السيد، الحسني، طه، صالحة، خليل، أبو ركبة، أبو علبة، والكيلاني.
ومنذ استئناف العدوان في 18 مارس الماضي، بعد انهيار اتفاق وقف إطلاق النار، ارتقى أكثر من 2800 شهيد، وأُصيب ما يقارب 8000 آخرين، معظمهم من النساء والأطفال. بينما بلغ عدد الشهداء منذ بدء الحرب في أكتوبر 2023 أكثر من 173 ألف شهيد وجريح، بينهم 11 ألف مفقود.
ولا تزال جثة زوجة عمر الغندور تحت أنقاض منزلهم المدمر في بيت لاهيا، بانتظار من ينتشلها. أما سلمي، فغادرت العالم بصمت، تُركت أحلامها الطفولية في ظلال منزل لم يعد له وجود. وبقي عمر، وأبناؤه محمود وحلا، وجراحهم، ورائحة الرماد... من تبقوا ليشهدوا على مجزرة أُضيفت إلى سجل طويل من الألم.