اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٢٧ كانون الأول ٢٠٢٥
د. حسن محمود قبيسي*
[نؤرّخ بموضوعية، والتأريخ الموضوعي يسمّي المسمّيات بأسمائها، دون تملّق ولا تزلّف ولا مواربة ولا ادّعاءات فئوية أو فوقية].
استهلّ بمقولتي هذه حتى لا يُحمل ما سيرد ما لا يحتمل، ولا يؤل بما هو غير القصد من إيراده.
*****
المواطنون: المواطن هو أي شخص ينتمي إلى دولة أو أمة سواء بالولادة أو بالتجنس، وهو يتمتع بكل الحقوق المدنية التي ينص عليها تشريع تلك الدولة أو الأمة.
الشَّعْبُ: جمهور، جماعة كبيرة من الناس يعيشون في بلد وتخضع لنظام اجتماعيّ واحد وتجمعها عادات وتقاليد وتتكلَّم لساناً واحداً. تعيش بحكم الوجود والاستمرارية عن قناعة أو رضى أو ارتضاء أو فرضاً أو ضرورة، أو بحكم الأمر الواقع، أو وفق موازين قوى أنشأته وفق مصالحها، أو توافق بين قوى، أو أتوا من بلد واحد، كان يعتبر مسقط رأسهم (لو أسقطنا مفاهيم اليوم على الأمس) وحمل أسمهم كالفينقيين والكنعانيين والأرميين (سمّوا بعد تنصّرهم بالسريان) الذين هاجروا من شبه الجزيرة العربية إلى بلاد الشام، أو حملوا اسمه كالرومان والبيزنطيين... مُسْتَلْزَمَاتُ الإِجْرَاءِ الجَدِيدِ: مُقْتَضَيَاتُهُ، مُتَطَلَّبَاتُهُ.
أو... لا بد مما ليس من بد..
تطوّر سنجق بيروت الإداري
بعدما كانت بيروت سنجقاً عثمانياً حدوده ما يُعرف اليوم بالوسط التجاري، والباشورة (الجبانة، كما المعروف والمألوف تكون خارج المدن والبلدات والقرى) خارج حدودها وأسوارها، حتى أن منطقتي الباشورة والمصيطبة اشتهرت كمصيف لناسها، شهدت توسّعاً كبيراً، بدءاً من إنشاء المرفأ وطريق بيروت - دمشق، مروراً باعتمادها عاصمة تحت حكم الانتداب الفرنسي، وصولاً إلى التوسّع العمراني السريع بعد الاستقلال والحرب الأهلية المدولة التي غيّرت نسيجها الحضري والاجتماعي.
كان أسرع توسّع جغرافي لبيروت بين عامي 1945 و1963 عندما توسّعت المساحة المبنية للمدينة بأكثر من الضعف. وبينما أسهم النمو أيضاً في زيادة الكثافة السكانية في المناطق الوسطى من المدينة، استقرّ جزء كبير من السكان أيضاً في الضواحي على أطراف المدينة، ممّا أسهم في تمدينها.
بدورها، أسهمت الحرب الأهلية المدولة بشكل كبير في نمو المدينة، أفقياً وعامودياً بسبب الأضرار التي لحقت بالمباني الموجودة، كما أدّت الى تغيير تكوينها نتيجة النزوح داخلها وعبر مناطقها.
عام 1961 صدر مرسوم حكومي باستحداث وحدة جغرافية في مدينة بيروت وضواحيها تدعى «بيروت الكبرى». وبحسب المرسوم، تتألّف الوحدة الجغرافية هذه من مجموعة من الأماكن المتاخمة لبيروت العقارية والتي يجمع بينها مصالح مشتركة.
.... والديموغرافي
من هنا نبدأ لنقول أن من أسهم في إغناء مواطني بيروت برفع أسعار ممتلكاتهم من ثمن بخس لـ«الشملة» (ما كان يلف حول خصر لابس الغنباز، وهو بعشرات الأذرع) إلى آلاف الدولارات الأميركية للذراع، وأنعش الحركة الاقتصادية والعمرانية فيها كان أفراد الشعب الوافدين والنازحين إليها جراء الإنماء غير المتوازن بينها وبين المناطق المحظية من جهة، وبين الأطراف المحرومة من جهة أخرى؛ فشهدت بيروت تحوّلاً جذرياً، ونمواً عمرانياً وسكانياً هائلاً تشابك مع الأحداث التاريخية الكبرى.
من ألبس بيروت عباءة المقاومة وثيابها المرقطة كان أولئك الفقراء النازحين إليها هرباً من الحرمان على امتداد قرن ونيّف؛ فصارت حاضنة لرموز وممثلي حركات التحرر العربية والعالمية، وللمعارضين والمتمرّدين وللاجئين السياسين من كل أنحاء العالم، ومنبراً إعلامياً لهم جميعاً.
قبل شعبها، وأفراده هم في أساس مكونات مجتمعها بعاداته وتقاليده ولغته ومصالحهم المشتركة مع ناسها بالولادة أو التجنس، المستسلمين للسلطة الحاكمة: خلافة أو سلطنة، باسم طاعة أولي الأمر، أو الذمية، كانت مدينة مطواعة مسالمة بلا قلعة حتى، وإن كانت قاعدة مرابطة. كانت بيروت سنجقاً تابعاً لولاية دمشق.
ثم صارت ولاية عثمانية عام 1888 تضم المنطقة الساحلية من بلاد الشام الممتدة من اللاذقية حتى شمال يافا. ضمّت عند إنشائها متصرفية جبل لبنان إضافة إلى خمسة سناجق فصلت عن ولاية دمشق هي: سنجق بيروت - سنجق طرابلس الشام - سنجق اللاذقية - سنجق عكا - سنجق نابلس.
اختلف الأمر باختلاف الواقع الجديد نتيجة المعطيات المستجدة. فبعدما كانت أراضي زراعية نهضت بتنوّع اقتصادها، أتتها الرساميل من بلاد الأنظمة الإشتراكية والبلاد الخليجية للتملّك والاستثمار؛ تحوّلت من مجتمع زراعي رعوي حرفي إلى مركز للثقافة والتجارة والصناعة والسياحة.
بيروت ببشرها لا بحجرها. بيروت بشعبها ومواطنيها وهم من كل المذاهب اللبنانية، وقد اعتمدت عاصمة للبنان ولم تعد ضيعة عائلات، فيهم العربي والأعجمي بتنوّع أعراقه واختلاف مكان وفوده إليها ودواعيه؛ فصارت الحاضنة وعاصمة المقاومة، فطوال تاريخها السابق عن كونها العاصمة لم يكن فيها قلعة - كما قدمت -، حتى المرابطين فيها لم يكونوا من مواطنيها، أسكنتهم الخلافة العباسية لمنع البيزنطيين من احتلالها وفيه خطر على ولاية دمشق.
مواطنو بيروت منذ العصور الوسطى
الروم الأرثوذوكس أقدم من استوطن بيروت، وبعدهم المرابطون السنّة من آل أرسلان قبل أن يقبلوا دعوة الموحدين (الدروز) أيام العباسيين، ثم الشيعة قبل أن يتسننوا تجنّباً لاضطهاد المماليك بداية القرن الرابع عشر الميلادي - فالناس على دين ملوكهم -، وقد كانت علاقة المماليك بالشيعة معقّدة ومضطربة، وتميّزت بالصراع السياسي والمذهبي، وبعدهم الشهابيون الذين أجبرهم الشهابي بشير الثاني على ترك الجبل، ثم أرمن وأكراد، وأخيراً ولا ليس آخراً، من تجنسوا أو نقلوا محل إقامتهم إلى بيروت لمصلحة انتخابية أو...
في أسماء عائلات تُحسب بيروتية لا لأزلية وجودها في بيروت العاصمة، بل مع الأسف لسنيتها وحصراً لهذا السبب، دلالة إلى من أين وفدت واستقرّت في العاصمة، منها:
المصري - اسكندراني - حجازي - الشامي - دمشقي - حلبي - الحمصي - الحموي - اللاذقي - يافاوي - مقدسي - نابلسي - عكاوي - الصيداوي (من صيدا خمس رؤساء حكومات تبيروتوا: من آل الصلح: رياض - سامي - رشيد - تقي إضافة إلى رفيق الحريري) - الشحيمي - برجاوي - مزبودي - عانوتي - عكاري - طرابلسي - بعلبكي (نزح بعضهم من بلدة إيعات البقاعية وتسنوا)، وما من تلك العائلات بين عائلات بيروت السبع التقليدية.
من دمشق هاجر أبناء المتشيّع يوسف بيضون: رشيد بيضون وأسرته، أخوة وأبناء وأحفاد، ومنهم نائبان انتخب اثنان منهم نواباً، ومن صيدا «تبيرت» آل الصلح رياض - سامي - رشيد - تقي إضافة إلى رفيق الحريري.
الاندماج جعل من الكل مواطنين في التراث الشعبي «من عاشر القوم أربعين يوماً صار منهم أو رحل عنهم»، وفي الحاضر معظم دول العالم تمنح جنسيتها لمن أمضى حوالي الخمس سنوات متواصلة في ربوعها أو ناسب أهلها.
أكثر، أقام الرسول محمد (#) دولة إسلامية في المدينة المنورة وعاش فيها الأنصار والمهاجرون وآخى بينهم، ومعهم اليهود قبل انقلابهم على تعهداتهم، عاشوا باستقرار تام وانطلقوا لنشر الدعوة منها.
الأمويون جاءوا من مكة والمدينة إلى دمشق وجعلوها عاصمة دولتهم وحاضرة العالم يومها.
في أوروبا، ممالك «استوردت» ملوكاً من دول أخرى اعتلوا عروش الحكم فيها. وتكاد لا تخلو مدينة أو عاصمة أوروبية من مهاجرين إليها من أعراق ومذاهب مختلفة يندمجون في مجتمعاتها، ولا يُعتبروا غرباء بل وتمنح لهم جنسية الدولة التي هاجروا إليها.
وأتى فخر الدين المعني الثاني بالموارنة من جبل لبنان الشمالي إلى جبل الدروز الأكثر ازدهاراً، فصار جبل لبنان الجنوبي، وعاشوا فيه موحدون دروزاً وموارنة مع السنّة الشهابيين الوافدين حكاماً من حاصبيا ووادي التيم في جبل عامل، وهم (الشهابيون) سلالة عربية تنحدر من بني مرة من قريش، ولم يكونوا من سكان حاصبيا الأصليين بالولادة، بل استقروا فيها، إلى جانب أقليات، قبل أن يتنصّر بشير الأول الشهابي وأولاده ويعلن بشير الثاني تنصّره.
ومن الاندماج التلقائي إلى الاستيطان القسري مثالان يكاد يكونان حصرياً: القاراتان الأميركية والأسترالية مسكونة بشعوب هاجرت إليها من أصقاع الدنيا فأبادت معظم أهلها بمذابح همجية غيّرت ديموغرافية تلك البلاد.
ما من وفود منفر وغير مقبول إلّا غير الشرعي والذي يضرّ بالمجتمع ويخرج على القوانين المرعية الإجراء، وما عدا ذلك مؤهّل للاندماج.
* مؤرخ وكاتب سياسي











































































