اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٣٠ أيلول ٢٠٢٥
ينصرف رئيس الجمهورية إلى تطبيق خطاب قسمه، وضبط ناقل سرعاته ليتوازن مع إيقاع إقليمي ودولي متغيّر. فيزيد سرعته على وقع ضغوط دولية لإقرار حصرية السلاح وأهداف الورقة الأميركية وخطة الجيش، ثم يعود ليبطئها كي تتسق مع الضبابيّة السائدة، والتي تتبدّى في محدودية الدعم كما في مناقلات أميركا لموفديها.
وإذا كان الرئيس سلام رأس الحربة، فإن الرئيس جوزاف عون هو لاعب الارتكاز ذاك الذي يُعهد إليه تكسير الهجمات ورفع إيقاع اللعبة وإبطاؤه، والذي يجد أن الوقت ليس للهجوم، بل لقبول اللعب طالما أن الدولة متقدّمة في النتيجة، وتملك زمام المبادرة وشرعية تزداد رسوخًا. في يده ورقة ثمينة وهي بند منع نقل السلاح والصواريخ في خطة الجيش، يتركها للحظة مناسبة يتحكّم بقرارها.
مواقفه بالأمس، ومنح قائد الجيش وسام الأرز الوطني، ليست موجّهة ضد الرئيس سلام، بل استثمرت انجراف الحزب نحو انتصار لا لزوم له للظفر بتوقيعه على تحصين الإجماع على المؤسسة العسكرية، وتغطية عملياتها جنوب الليطاني، وتلك التي تحصل وفق آليات الميكانيزم. أيّ تموضع غير هذا كان سيجعل الجيش يواجه سيناريوات شبيهة بما تجبهه قوات اليونيفيل.
يستحضر رئيس الجمهورية تجارب كان المفترض أن تضع البلاد على سكّة السلامة، فإذ بتطوّرات تسلكها صعيدًا زلقًا، من زيارة أنور السادات إلى القدس التي أطاحت بمفاعيل تفاهمات أنهت حرب السنتين، إلى اغتيال بشير الجميل وانتفاضة 6 شباط 1984 ونقل لبنان من ضفة لأخرى، وصولًا إلى اجتياح صدام حسين الكويت الذي أنتج نسخة هجينة من الطائف صاغها حافظ الأسد. في تلك التجارب، أمسى لبنان سلعة في بازار مفتوح.
من ينظر لمواقف رئيس الجمهورية فسيجد أنه يقود البلاد في خطوات دقيقة بين سياقات معادلات هشة، انطلاقًا ممّا لديه من معلومات وحصيلة لقاءات واتصالات. على مكتبه تقارير عن لقاءات حصلت بين ممثلين عن دمشق و حزب اللّه، لتسهيل حصول الأخير على مخازن صواريخ لا تزال في سوريا، بقبّة باط من الفاعلين المؤثرين في القرار السوري، إلى جانب اطّلاعه على انفتاح متزايد لقوى إقليمية على طهران، والتطوّرات المحيقة بقضية نظامها ونفوذها.
يدرك الرئيس جوزاف عون أن الدولة تواجه إيران لا حزبها، وأن تصعيد الأخير مصدره طهران. يريد تجنيب لبنان تأثير حرب على الملالي تسقط نظامهم كما تأثير صفقة محتملة معهم. يضع نصب عينيه منع حصول صدامات داخلية من أي نوع ومستوى، وتحييده عن دائرة اللهب المتصاعد، كي لا تنفجر به. في لحظة عدم اليقين هذه، يسير بالبلاد وفق نهج يقتبس نهج السعودية، طامحًا بأن يكون لبنان جزءًا من الحلول والتفاهمات وليس ثمنًا لها.
في موازاة إدراكه أن ثمار المرحلة الانتقالية لم تنضج بعد، حيث لا تزال البنية التحتية السياسية من نتاج الحقب الماضية، بما فيها من بصمات المشروع الإيراني ووصاية نظام الأسد وتأثير القومية العربية، يضع في حسبانه أن من انتظر لسنة وأكثر كمرشح فوق العادة لرئاسة الجمهورية يرفض دخول بازارات، يمكنه ضبط ناقل سرعة البلاد ريثما تتضح الصورة بين السيناريوات المحتملة:
دعم الدولة بشكل جدّي بما يتيح رفع وتيرة حصرية السلاح والقرار. أو استمرار الوضع الراهن حيث يمضي الجيش في تنظيف جنوب الليطاني بالتعاون مع الحزب، ليكون الانتقال إلى شماله نحو الأولي محكومًا بالقواعد نفسها. أو ضربة لنظام الملالي أو لـ حزبه لا يسع الدولة أن تفعل إزاءها شيئًا بالنظر لموقفها الضعيف، لكنها ستفرض قواعد عمل جديدة يمكن أن تؤول لصالحها حتى في ظلّ محدودية الموارد، أو تسوية شاملة يكون للبنان مقعد فيها.