اخبار لبنان
موقع كل يوم -أي أم ليبانون
نشر بتاريخ: ١٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
كتبت زائدة الطند الدندشي في 'نداء الوطن':
يُقال إن الوجه مرآة الزمن، لكن الصوت أيضًا لا ينجو من مرور السنين. إنه الرفيق الذي يكبر معنا بصمت، يحمل آثار التجارب والانفعالات كما تحملها التجاعيد على الجلد. ومع كل عام يمرّ، تتبدّل طبقاته ونبرته ونَفَسه، حتى إننا أحيانًا لا نتعرّف على تسجيلاتنا القديمة فنقول بدهشة: 'هل هذا صوتي فعلاً؟'.
رحلة الأوتار الأولى
في الطفولة، يكون الصوت حادًا وخفيفًا، أشبه بآلة موسيقية صغيرة لم تُضبط أوتارها بعد. ومع المراهقة، يمرّ بتقلّبات درامية، خصوصًا لدى الفتيان، حيث تطول الأحبال الصوتية وتتضخم الحنجرة، فيهبط الصوت فجأة من الطفولة إلى الرجولة. ومع ذلك، يظل شابًا مرنًا، قادرًا على الصعود والهبوط بسهولة، يعكس الحيوية أكثر مما يعكس النضج.
حين يثقل الزمن على الحنجرة
في مرحلة الأربعين وما بعدها، يبدأ الصوت بالتباطؤ. تتراجع مرونة الأحبال الصوتية وتضعف العضلات الدقيقة التي تتحكم بها. يصبح الصوت أعمق عند الرجال، وأعلى قليلًا عند النساء بسبب تغيّر الهرمونات. وكأن الطبيعة تسحب تدريجيًا قدرة الصوت على الصراخ أو الغناء أو الضحك العالي.
العاطفة تكمل الصورة
يقول أخصائي النطق الدكتور جورج حنا: 'الحنجرة مثل أي عضلة في الجسم، تتأثر بالإجهاد أو الإهمال. من يستخدم صوته مهنةً يشيخ صوته أسرع، لكن ذلك لا يعني ضعفًا بالضرورة، بل نضجًا في التعبير'. ويضيف: 'صوت الإنسان في منتصف العمر يصبح أكثر دفئًا وصدقًا، هو صوت يعرف ما يقول'.
حين يتحدث الصوت عن النفس
تشير دراسات في جامعة ستانفورد إلى أن التقدم في العمر لا يغيّر فقط نغمة الصوت بل إيقاعه أيضًا، فيعكس الحالة النفسية. فالشخص المتعب أو المنعزل غالبًا ما يتحدث بوتيرة أبطأ ونغمة أكثر هدوءًا، كأن الصوت يبوح بما لا تجرؤ الملامح على قوله.
أصوات الأحبّة
أقسى ما نعيشه هو تغيّر صوت من نحب. حين تسمع والدك أو أمك يتحدثان بنبرة أهدأ وأضعف، تشعر أن الزمن مرّ فعلًا. ومع ذلك، في هذا التغيّر دفءٌ لا يُشبه سواه، فالصوت الهرِم يحمل حنانًا وتجارب لا تُشترى.
في الختام… سجلّنا الحيّ
الصوت لا يشيخ وحده؛ ما يشيخ هو ما نحمله من قصص وتجارب. كل ضحكة ونداء وصمت طويل يترك أثره في تلك الأحبال الصغيرة التي تصنع هويتنا. لذلك، لا نخاف من تغيّر أصواتنا، بل نصغي إليها جيدًا. فهي ذاكرة العمر، ودفترنا المفتوح الذي لا يُمحى بالحياة ولا بالموت.











































































