اخبار لبنان
موقع كل يوم -النشرة
نشر بتاريخ: ٦ تشرين الثاني ٢٠٢٥
شهد دار الطائفة الدرزية امس، احتفال توقيع اتفاقية تعاون مشترك مع الرهبانية اللبنانية المارونية في مجال التنمية الاقتصادية، برعاية مشيخة العقل لطائفة الموحدين الدروز وحضور شيخ العقل للطائفة الشيخ سامي ابي المنى ورئيس الرهبانية الاب العام هادي محفوظ، ونائب رئيس الحكومة طارق متري.
واشار ابي المنى الى ان 'ما نَشهدُه اليومَ ليس حفلَ إعلانٍ عن مشروعٍ تنمويٍّ وحسب، بل هو تأكيدٌ على شراكةٍ تتعدَّى موضوعَ الاستثمار المادي إلى استثمارٍ روحيٍّ وطنيّ يُعزِّزُ مفهومَ المصالحةِ والعيشِ الواحد في الجبل وعلى امتداد الوطن. إنّه صورةٌ معبِّرة عن مشهد وطنيٍّ جامع، وإنْ جاء تحت عنوانِ التعاون والشراكة بين الموحدين الدروز وإخوانِهم الموارنة، من خلال علاقةٍ وثيقةٍ قائمة مع البطريركية المارونية، ومعَ أكبرِ الرهبانيات المسيحية في لبنان، لكنه فصلٌ من فصول الشراكة الروحية الوطنية الشاملة التي نادينا بها، والتي تعكس جليَّاً حقيقةَ لبنانَ الرسالة؛ لبنانَ الذي لا حياةَ له إلّا بهذه الشراكة القائمة على أسسٍ دينيةٍ روحية وعلى أسسٍ اجتماعيةٍ وطنية'.
ولفت الى ان 'مصالحةُ الجبل بالنسبة لنا كانت حالةَ انتقال من ضَفّةٍ إلى ضَفَّة، أرادها وليد جنبلاط وباركها البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، وانخرطنا فيها بقناعة واندفاع؛ مؤسسات دينية واجتماعيةً وثقافيةً وأهلية، ومجتمَعاً بأكمله، ولكن ربّما ببعض خجل اقتصاديّ وتنمويّ، في ظلِّ ظروف البلد غيرِ المؤاتية وهجرة الطاقات والشباب، وغيابِ الحوافز والفرص المُتاحة، ولعلَّ هذا هو الدافعُ الأكبرُ لنا ولإخوانِنا في المجلس المذهبي وفي البطريركية المارونية للتفكير بمصالحةٍ اقتصادية، إذا صحَّ التعبير، نتشاركُ فيها ونتعاونُ لإقامة مشاريعَ إنتاجيةٍ تنموية في هذه المنطقة أو تلك، وحيث تسمحُ طبيعةُ هذا المشروع أو ذاك، وكلُّنا أملٌ أن يكونَ في ذلك تحصينٌ للوجود، وصيانةٌ للعيش الواحد المشترَك، ودفعٌ بالجبل ليكونَ النموذجَ الأكثرَ أمناً للاستثمار، والأكثرَ جذباً للمستثمرينَ من أبنائه المواطنينَ ومن مُحبّيه العرب'.
واعتبر ابي المنى اننا 'اعتدنا لعقودٍ وسنواتٍ طويلة بأن نُلقيَ المسؤوليةَ على عاتق الدولة والقيادة السياسية للنهوض بالمجتمع والوطن وخلقِ فرص العمل والاستثمار للشباب اللبناني، ولكن آن الأوانُ لنتشاركَ في القيام بالواجب، وقد نادى وليد بك مراراً بضرورة مساهمة المؤسسة الدينية المسيحية بذلك، بما تملكُه من أراضٍ شاسعة، وكذلك مساهمةِ الأوقاف الدرزية، وإن كانت ليست بالحجم ذاته وبالاتساع الذي يُحكى عنه، ولكننا مقتنعون بهذه المهمّةِ المهمّة، وواعونَ لأهميةِ التخطيط والدراسة العلمية لمجالات التنمية الممكنة، ولهذا صمّمنا على خوض التجربة، فرَعينا منذ سنتين تأسيسَ شركةٍ متخصِّصة تحت اسم شركة B5 للدراسات والاستثمار، واعتمدناها كإحدى أذرع مشيخة العقل الاقتصادية المساعِدة، إضافةً إلى ما لدينا من طاقاتٍ في المجلس المذهبي ولجانه وإدارته، وانطلقنا بعد ذلك برحلة التفاهم مع الرهبانية اللبنانية المارونية، متعاونين معَ رئيسِها المحترم الأب العام هادي محفوظ، للوصول إلى اتفاقٍ يكرِّسُ الرؤيةَ الموحَّدة والشراكةَ الفعليةَ في ما بيننا، ومؤكّدين بأنّنا جزءٌ من المسؤولية الوطنية، وبأننا قادرون إذا ما اتّحدنا على جذب الاستثمارات للمشاريع التنموية الحيوية، أملاً في تجاوز الجمود وبعثِ الروح في الأرض، وفي المجتمع وتحقيقِ الأمن الغذائي والاجتماعي والصحي والبيئي، مدركين يأن التنمية ليست أرقامًا في جداولَ، ولا نسبَ نموٍّ في تقارير، بل هي إنسانٌ متعلّمٌ، ومجتمعٌ متماسكٌ، وبيئةٌ نظيفةٌ، وحياةٌ كريمة'.
ورأى أن 'في مثل هذا الزمن الصعب، تحاولُ الدولة بناءَ مؤسساتها وبسطَ سلطتها واستعادةَ ثقة العالَم بها، فتحملُ همَّ إعادة الإعمار كأولويةٍ لا بُدَّ منها، وتتحمّلُ عبءَ الضغط الدوليّ وواقعِ الحال الأمني والاقتصادي والاجتماعي بالانحياز نحو خَيار التفاوض لإنقاذ لبنانَ من العدوان الذي ما انفكّ يستبيحُ أرضَه وسماءَه ويكادُ يُجهِزُ عليه إذا لم نتمسَّكْ أكثرَ وأكثرَ بصيغتِه الجامعة وبأرضِه المعطاء. كلُّ ذلك يدفعُنا لمشاركة الدولة في تحمُّل الهموم والأعباء، فنطلقُ مبادرةَ الشراكة الاقتصادية هذه، علّها تساعدُ في مواجهة التحدي وفي تأكيد إرادة الصمود، وعلى الأقلّ في إشاعة أجواء التفاؤل بغدٍ أفضل يبشّرُ بالاستقرار والازدهار، وهذا ما نأملُه وما نرجوه. إننا نحاولُ من خلال هذه الرعاية زرعَ الأمل وإزالةَ القلق واليأس من النفوس، مستمدّين العزمَ من تاريخ المودَّة في ما بين أبناء الجبل، لا من تاريخ المآسي والنزاعات المفتعَلَة بينهم، ومن إرادةِ العيش الواحد والحبِّ المشترَك للوطن، ومتفائلين بزيارة قداسة البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان لتثبيت هذه الإرادة وهذه الرؤية، وهو ما عبّرنا عنه في رسالتنا إلى قداسته منذ شهرين، وما تلقّيناه من ردٍّ يؤكّدُ على أهمية ما نقوم به في لبنانَ 'الوطنِ الرسالة'، الذي نتحمَّل جميعُنا مسؤوليةَ الحفاظ عليه وتحصينِه من مخاطر الانهيار والضَّياع'.
في السياق، اشار امين سر المجلس المذهبي رائد النجار الى انه 'أبي المنى أطلق مساراً للتلاقي ودرباً ما زلنا في أوله، تحت عنوان 'الشراكة الروحية الوطنية مظلة الإصلاح والإنقاذ'، داعياً مختلف مكونات المجتمع اللبناني وعلى رأسها الهيئات الروحية للتكاتف والتعاضد والعمل معاً لمواجهة الانقسامات السياسية والطائفية والاجتماعية، والدفع باتجاه تحصين الدولة على مختلف الصعد'.
ولفت الى ان 'شراكة أردناها وطنية لخدمة المجتمع اللبناني دون تمييز، ولتكن قدوة تحتذى، ودعوة لكي ينضمَّ اليها أو يتم تكرارها بين مختلف الهيئات الروحية والتكتلات الاقتصادية. ان الأهداف المباشرة لهذه الشراكة هي التعاون لتحقيق مشاريع اقتصادية تخلق فرص عمل لتثبيت الناس في مناطقهم وتأمين سبل العيش الكريم لهم، إلا ان اهدافها غير المباشرة أبعد بكثير، وهي تحصين العيش المشترك المرتبط بوحدة الأرض والهوية، وبخصوصية الجغرافيا بعيداً عن صراعات التاريخ، هذه الشراكة هي تعبير عن انعقاد النية الصادقة وإنصراف الإرادة الجادة لالتقاء المصالح دون مطامع في خدمة وحدة الوطن وأبنائه، ولتحصين المصالحة التاريخية التي ارساها الزعيم وليد جنبلاط والمغفور له غبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير في الثالث من آب عام 2001، والتي كانت عنواناً للتحدي لاستعادة اللحمة الوطنية وقرار الدولة بوجه النفوذ الخارجي، ويستمر لبنان حتى اليوم يسدد أثماناً باهضة بسبب اصراره على تحقيقهما'.
ثم تحدث أحد منسقي المشروع الاب سمير غاوي، مشددا على أهمية الشراكة التي حصلت بالنسبة لمنطقة الجبل.
بدوره، شرح المنسق ومدير عام شركة B5 للدراسات والاستشارات وإدارة الاستثمارات نظام حاطوم أهمية الاتفاقية والبنود التي تتناولها، قائلا: 'كلفنا ابي المنى إعداد دراسة اقتصادية استراتيجية استثمارية تؤمن فرص العمل والعيش الكريم للعائلات في المجتمعات الريفية عبر استثمار ما يصلح من الاملاك الوقفية وتفسح بالمجال امام رجال الاعمال والطامحين للاستثمار في مشاريع ذات عوائد ربحية. تم تأسيس شركة B5 للدراسات والاستشارات وإدارة الاستثمارات وقمنا بإنجاز اتفاقات مع مجموعة شركات تملك حقوق الملكية والفكرية لابتكارات علمية وهندسية وبالشراكة مع كلية الزراعة في الجامعة اللبنانية حيث انضم إلى برنامجها عشرات العلماء والباحثين والأساتذة من الجامعات الخاصة اللبنانية، كلٌّ حسب اختصاصه، فتشكلت منظومة إنمائية علمية وطنية. وضعت الشركة خارطة ممنهجة لتحقيق المشاريع الزراعية والصناعية والخدماتية مستندة إلى عشرات التقارير الرسمية والدراسات المنجزة سابقاً من المؤسسات المحلية والدولية فتم تجميع الخبرات الميدانية في مجال الامن الغذائي والانماء الاقتصادي الوطني. وقد اعدت الشركة مجموعة مشاريع وبدأ العمل على إنجازها تمهيداً لطرحها على الجهات الاستثمارية'.
واوضح ان 'أول الغيث، مشروع صناعي بيئي لإنتاج الفحم الطبيعي الطبي الخالي من السموم والمواد الكيمائية، والمقرر إنشاؤه على أملاك الرهبانية اللبنانية المارونية في منطقة كفرمتى العقارية، لما يحمل هذا الموقع من دلالات وجدانية'.
اما رئيس الرهبانية اللبنانية المارونية الاب محفوظ، فاشار الى ان 'كلّ حقبة تشكّل صلةَ وصلٍ بين الماضي والمستقبل، مع كلّ المسؤوليّة الجسيمة التي تقع على كلّ حقبة، بتأمين أجمل صلة بين ما سبق وما يلحق من التاريخ. واجتماعنا اليوم في هذا الصرح العريق والمميّز هو حبكة حاضرة تتفيأ بتاريخ جليل وتعدّ العدّة لغد مشرق'.
ولفت الى ان 'التاريخ الذي فيه نتفيّأ يعود إلى عدّة قرون خلت، أقلّه إلى القرن السادس عشر، عندما تفعّل منطق الشراكة والتعاون، بين الدروز والموارنة. لقد عاشوا معًا، خصوصًا في الجبل، وقبل كلّ منهما الآخر، وأنموا مناطقهما المشتركة، معًا. في تلك القرون الغابرة، كان قداسة البابوات في روما يكتبون إلى أمراء الدروز رسائل لا زالت شاهدة للروابط الأصيلة والجميلة بين الدروز والموارنة في تلك الأيّام. وإنّنا نرى في الرسالة الخطيّة التي تلقاها شيخ العقل من امانة سر دولة الفاتيكان الشهر الفائت، ملامح ذاك التاريخ المجيد في البدايات. في تلك الرسالة الخطيّة، وكما تردّد في الإعلام بفرح، ثمّن قداسة البابا لاون الرابع عشر 'الموقف المسؤول للشيخ ابي المنى، باعتبار الاديان مدعوة إلى خدمة الانسان وحماية حياته وحقوقه، وتعزيز ثقافة الأخوّة والرحمة، وبذل الجهود لتحقيق السلام في المنطقة، كون السلام هو الطريق الوحيد الذي يضمن للشعوب كرامتها وأمنها'.
واكد محفوظ أن 'بين الدروز والموارنة علاقة متينة واستراتيجية، وضعت أسسًا ثابتةً ومتينةً لقيام لبنان الحديث. ورهبانيّتنا، الرهبانيّة اللبنانية المارونيّة، أدخلت في وجدانها تلك العلاقة وتابعتها، خصوصًا من خلال أديارها في الجبل، ومن خلال شركائها، ومن خلال علاقتها مع النبلاء الدروز وزعمائهم. وانطلق التاريخ من تلك الأيّام. وفي حقبات التعاون والعيش المشترك المفرح لكلّ من الموارنة والدروز، كان الجبل بخير وكان لبنان كلّه بخير. وفي الأيّام التي لم تنجح إرادة العيش معًا في الانتصار على واقع ومخطّطات، ضعف الجميع وضعف لبنان. من التاريخ نريد أن نقطف ما هو جميل وبهيّ لنستقي منه جمالاً وبهاءً لحاضرنا ولمستقبلنا. ومن الصفحات السوداء في التاريخ، نستقي الأمثولات لجعل العيش أجمل'.
واوضح ان 'الهدف من هذه الاتفاقية كان واحدًا وهو التعاون علامة لهمّ إنمائيّ وعلائقيّ مشترك، يهدي الى كلّ المجتمع أملاً بغد مشرق فيه عيش كريم ونبيل ومشترك يسوده السلام ومحبّة الآخر بدلاً من أيّ خوفٍ من هذا الآخر. في سبيل هذا الهدف، درست الجهتان عدّة سبل للتعاون، إلى أن قرّ الرأي على مشروع واحد هو موضوع الاتفاقية التي وقّعت، في مساحة على قسم من عقار للرهبانيّة في كفرمتى. وتعدّدت الصيغ المقترحة، فدُرست، ووصلنا إلى الصيغة الحاليّة، مع الأمل أن تكون هذه الإتفاقيّة حول هذا المشروع، في صيغته، باكورة لاتفاقيّات أخرى تُعتمد فيها صيغٌ أخرى'.
ثم تحدث متري قائلا 'كلنا يدرك ان المصالحة لم تكن سياسية او ظرفية بل نراها في الحقيقة وقد شقت طريقا انتم تسلكونها، واضعين ايديكم معا على المحراث وواثقين ان الله معكم في هذا المسعى الكريم. المصالحة في بلد اتخمته الجراح والخيبات هي باب الشراكة ومحرابها وفي المقام الأول، ووعي مشترك لما يترتب علينا وما يحلو لنا ان نتذكره، والمصالحة سنو العطاء في الخدمة وهو ما يتوخاه مشروعكم الطموح. واذا كانت المسؤولية السياسية المنطلق للمصالحة فانها تذهب الى الابعد، الى تغيير النظرة للذات والأخر من خلال العمل المشترك المتحرر من اسر الظروف. والعمل المشترك يفرج عن تسييس الدين وتسخيره لاضفاء شرعية دينية على المواقف السياسية وليس التعاون للفصل بين الديني والسياسي، لانكم تشهدون معا ان حقائق الايمان تنير الناس وترشدهم، لكن فضلا عن تأثير حقائق الايمان في تشكيل الشخصية الجماعية وإعادة النظر المستمدة في السلوكيات التي ينسبها البعض اليها، العيش المشترك او الواحد ومعا. ليست المسألة دينية في الأساس، لكنها تصبح شأنا دينيا أيضا، لان الشراكة في القيم الروحية هي التي تعطي للعيش معا معناه وتصونه، وكلما تراجعت المشاركة في القيم بفعل العصبيات وتضخيم الفروقات وتشويه الصور المتبادلة يتحول العيش معا الى تساكن تحكمه الواقعية الطوائفية'.











































































