كتب سعد الياس في 'القدس العربي':

شهد هذا الأسبوع حملة سياسية غير مسبوقة من فريق «حزب الله» على كل من رئيس الحكومة نواف سلام ووزير الخارجية يوسف رجي بسبب تكرارهما التمسك بحصرية السلاح وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها. وهذه الحملة التي بدأت بإطلاق شعارات مسيئة ضد رئيس الحكومة من قبل جمهور «الحزب» في المدينة الرياضية واتهامه بأنه «صهيوني»، واستكملت بالتزامن مع «عيد المقاومة والتحرير» أظهرت أن «حزب الله» يراهن على عامل الترهيب مجدداً، ويرفض مفاتحته بموضوع التخلي عن السلاح، ويشترط بداية التركيز على أولويات وقف العدوان الإسرائيلي وانسحاب جيش الاحتلال من النقاط الخمس المحتلة في جنوب لبنان والإفراج عن الأسرى وإعادة الإعمار. وهذه الأولويات معطوفة على حوار رئاسي قد يطول، يراهن من خلاله «حزب الله» على شراء الوقت في انتظار متغيّرات تتيح له الاحتفاظ بسلاحه شمال الليطاني ومعاودة التأثير على القرار السياسي للدولة اللبنانية.

ويتهم «حزب الله» كلاً من رئيس الحكومة ووزير الخارجية بعدم توفير فرصة «لبيع» مواقف إلى الولايات المتحدة الأمريكية وللدول الخليجية من دون الأخذ في الاعتبار المخاطِر الكبرى التي تُحدِق بلبنان وضرورة عدم التخلي عن أوراق القوة. وقد أبدى «الحزب» انزعاجاً كبيراً من كلام رئيس الحكومة عن «انتهاء تصدير الثورة الإيرانية» وتكرار موقفه في الإمارات عن التحرر من «ثنائية السلاح والقرار». وما فاقم هذا الانزعاج هو كلام وزير الخارجية اللبناني رداً على الشيخ نعيم قاسم بأن «الثلاثية الخشبية انتهت»، وأن «حزب الله تنظيم مسلح خارج عن الشرعية وغير قانوني».

ويعتقد «الحزب» أن سلام ورجي من خلال هذه المواقف يحاولان إحراج رئيس الجمهورية العماد جوزف عون الذي يسعى لمعالجة قضية السلاح بهدوء وبعيداً عن التحريض. غير أن أوساط سلام و«القوات اللبنانية» ترفضان هذا الاستنتاج، وتؤكدان أن ما يعبّر عنه رئيس الحكومة أو وزير الخارجية منسجم كلياً مع موقف رئيس الجمهورية الذي أكد عليه في خطاب القسم ومنسجم تماماً أيضاً مع ما ورد في البيان الوزاري للحكومة التي تضم وزيرين من «حزب الله». وتذكّران «أن رئيس الجمهورية أول من تكلم عن احتكار الدولة للسلاح تحت قبة البرلمان وهو لا يفوِّت مناسبة أو قمة إلا ويؤكد على بسط سلطة الدولة وآخرها في القاهرة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حيث قال «قرار حصرية السلاح اتخذ، ولا تحمينا إلا الدولة اللبنانية».

وتلاحظ الأوساط أن «الحزب» يحاول إظهار وجود تباين في الصف الرسمي من خلال الايحاء بوجود تقارب مع رئاسة الجمهورية وابتعاد عن رئاسة الحكومة، في محاولة للقول إن رئيس الجمهورية متفهم لوضع «حزب الله» بخلاف رئاسة الحكومة. وما لا يقوله «حزب الله» يتولى قوله المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان بهدف «تطييف» المسألة وإظهار الخلاف على أنه خلاف طائفي بين الطائفة الشيعية ومكوّنين لبنانيين سني ومسيحي. وإذا كان رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يدخل مباشرة على خط السجال بين سلام و«الحزب»، إلا أنه أرسل إشارات معبّرة حول مسؤولية الحكومة عن إعادة الإعمار. ووجّه رسالة مشفّرة إلى رئيس الحكومة قائلا «بسخّن منسخّن ببرّد منبرّد».

وآخر ما تعرّض له نواف سلام هو محاولة تحريض «حزب الله» البيئة السنية على رئيس الحكومة من باب اتهامه «بالتخلي عن صلاحياته حيث لا دخل له في السياسات الخارجية والدفاعية والأمنية»، والحديث عن «حظه العاثر» وانقسام الجمهور بين من يريد له أن يحافظ على مكانة السراي كما كانت مع رفيق الحريري، وبين من يريده أن يكرر تجربة شفيق الوزان.

وتستهجن أوساط معارضة لـ«حزب الله»: رفع «الحزب» وأمينه العام الشيخ نعيم قاسم السقوف وإعادة الحديث عن معادلة «جيش وشعب ومقاومة»، ورأت «أن الشيخ نعيم إما يعيش حالة إنكار كاملة للواقع وإما يهدّد الدولة بعدم الاستقرار في حالة نزع السلاح». وقالت «إذا كان الحزب قادراً بالفعل على التصدي للاعتداءات الإسرائيلية خلافاً للجيش اللبناني فماذا ينتظر؟ وإلا فليتوقف عن التضليل وإطلاق الخطابات والتهديدات في وقت يُخشى أن تستأنف إسرائيل حربها على لبنان بعد استدعاء 450 ألف جندي من الاحتياط».

وتدعو الأوساط الشيخ نعيم ونوابه إلى التوقف عن الرهان على خلق تناقضات بين رئيسي الجمهورية والحكومة أو محاولة تحريض البيئة السنية على سلام، لأن هذه المحاولات مكشوفة وتأتي بنتائج عكسية، وأبرز تجلياتها ما صدر عن عضو «تكتل الاعتدال» نائب عكار وليد البعريني الذي توجّه إلى «الحزب» بالقول: «سلام يمثل الشرعية، وصوت سلام الذي يطالب بحصرية السلاح هو صوت كل لبناني كفر بممارسات الدويلة وسلاحها الذي دمّر البلد، ولا أحد يزايد علينا بانتمائنا وتمسكنا بالقضية الفلسطينية، فعصر العنتريات انتهى وبدأ عهد الدولة».