اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ١٨ تموز ٢٠٢٥
نوال أبو حيدر
في ظل مشهدٍ يتكرر منذ سنوات، وجدت رابطة موظفي الإدارة العامة نفسها مجدداً أمام معادلة مألوفة: تعليق الإضراب مقابل وعود رسمية، غالباً ما تبقى من دون تنفيذ. اللقاء الذي جمع وفداً من الرابطة برئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، وما تبعه من إعلان تعليق الإضراب المفتوح، أعاد فتح النقاش حول مدى فعالية هذه الخطوات التفاوضية، في وقتٍ تعاني فيه الإدارات العامة من تآكلٍ مالي ومعنوي، وسط غياب أي خطة إصلاحية شاملة تضمن الحد الأدنى من الاستقرار الوظيفي والمعيشي.
فرغم تفهّم رئيس الجمهورية للمطالب ووعده بتشكيل لجنة مشتركة لمتابعة الملف، يبقى السؤال مطروحاً حول مدى قدرة الدولة على الوفاء بتعهداتها، خصوصاً في ظل تجارب سابقة لم تفضِ إلى نتائج ملموسة. فهل تمثّل هذه الخطوة من الرابطة محاولة لإعادة تنظيم الصفوف بانتظار انفراج سياسي واقتصادي؟ أم أنها تعكس عجزاً بنيوياً عن انتزاع حقوق الموظفين في وجه سلطة تتقن لعبة الوقت وتكرار التعهدات؟
جعجع: الرئيس كان متفهّماً ونأمل خيراً
من هذا المنطلق، يوضح رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة، وليد جعجع، لـ «اللواء» أنّ «قرار تعليق الإضراب جاء عقب الاجتماع مع رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، حيث لمس الوفد للمرة الأولى تفهّماً صريحاً وواضحاً من أعلى هرم الدولة لمطالب موظفي القطاع العام، بل وشعوراً بأن الطرفين يتحدثان من موقع مشترك وعلى «نفس الموجة»، كما وصف».
ويشير جعجع إلى أنّ «الرئيس أقرّ بأحقّية هذه المطالب، ووعد بطرحها على طاولة مجلس الوزراء للبحث والمعالجة، بالتوازي مع اقتراح تشكيل لجنة متابعة مشتركة، يُعوّل عليها في التنسيق والتقدّم العملي نحو الحلول»، ويضيف: «الرئيس أكد أن ما يمكن إنجازه سريعاً سيُنفّذ، وما يمكن تأجيله لفترة قصيرة سيؤجّل بشكلٍ مدروس، نظراً للظروف الصعبة التي يعيشها لبنان، وللإرث الثقيل من الأزمات والفساد الذي راكمته العهود السابقة».
إيجابية مشروطة بصدق التنفيذ
وفي سياق متصل، يشدّد جعجع على أنّ «دور الرابطة في هذه المرحلة هو أن تكون إيجابية وبنّاءة، عبر إعطاء فرصة حقيقية للمسار الجديد، ومواكبة الخطوات التي ستُتخذ في مجلس الوزراء»، معرباً عن ثقته بأن اللجنة المقترحة سيكون لها دور فعّال في المتابعة، معتبراً أن «خيار الاستمرار في الإضراب دون أفق أو تجاوب قد لا يخدم مصالح الموظفين في هذا الظرف الدقيق».
ويتابع: «نحن موظفون في خدمة المرفق العام، وعلينا أن نمدّ يد العون حين تكون هناك بوادر تفاهم. لكن في المقابل، إن لم يتم احترام هذه الوعود، فإننا سنعود للمطالبة بحقوقنا بكل الوسائل المتاحة».
الخيارات التصعيدية مطروحة...
ومن جهة أخرى، في حال لم تلتزم الجهات الرسمية بالوعود التي أُطلقت، وبالنظر إلى الغياب شبه التام لخطة إصلاحية واضحة للقطاع العام، يؤكد جعجع أن «الخيارات التصعيدية تبقى واردة وبقوة على طاولة الرابطة». لكنه يشدّد في الوقت نفسه على حرصهم على عدم تحميل المواطن اللبناني عبء التصعيد، قائلاً: «بالطبع، نحن مستعدون لاتخاذ خطوات تصعيدية قد تصل إلى إغلاق البلد، إذا ما استمرت الجهات الرسمية في تجاهل مطالبنا، ولكننا لا نريد أن نضحي بمصلحة المواطن أو أن نُفرط في حقوقه بسبب خلافاتنا مع السلطة».
ويضيف: «على السلطة السياسية أن تدرك جيداً أن لدينا القدرة على توسيع دائرة تحركاتنا وتصعيد مطالبنا، لكن تعطيل مؤسسات الدولة وخدمة المواطنين لا يتماشى مع مسؤولياتنا ولا مع مصلحة لبنان، أولويتنا اليوم هي المحافظة على استمرارية العمل في القطاع العام، وخدمة المواطنين الذين نعتمد عليهم، فالمهم بالنسبة إلينا هو الاستقرار الوظيفي وتأمين حقوق الموظفين ضمن إطار يحفظ أيضاً مصلحة الشعب اللبناني».
الإدارة العامة... بين الإهمال والدور الوطني
وأمام كل تلك الوقائع، وفي ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي يعيشها لبنان، يقول جعجع: «يبقى قطاع الموظفين في الإدارة العامة أحد الركائز الأساسية لاستقرار الدولة واستمرارية خدماتها الحيوية. وعلى الرغم من المعاناة المتواصلة التي يعانيها هؤلاء الموظفون، تجسدت الآمال مؤخراً في لقاء الرابطة مع رئيس الجمهورية، الذي بدا لأول مرة متفهماً ومتعاطفاً مع المطالب، ووعد باتخاذ خطوات فعلية على المستويات الحكومية».
ويتابع: «من هنا، تقع على عاتق المسؤولين اليوم مسؤولية كبرى أن يتحلّوا بالجديّة والشفافية، ويضعوا مصلحة الموظفين والمواطنين على حد سواء في قلب اهتماماتهم، عبر اعتماد خطط إصلاحية واضحة تُعيد الثقة بين الأطراف وتُعيد الروح إلى مؤسسات القطاع العام. وفي المقابل، فإنّ موقف رابطة موظفي الإدارة العامة، بتمسّكها بالحقوق وبحذرها من تفاقم الأزمة، يعكس وعياً عميقاً بضرورة الموازنة بين الدفاع عن المطالب العادلة والحفاظ على استقرار الوطن في هذه المرحلة الحرجة».
وعود على المحك
في الخلاصة، وأمام كل هذه التفاؤلات، يبقى الواقع قاسٍ، فقد أثبتت التجارب السابقة أن الوعود لا تتحول دائماً إلى تطبيق عملي ملموس، وأن لجان المتابعة كثيراً ما تظل حبيسة التصريحات دون تنفيذ. ويبقى السؤال الأبرز: هل ستتحوّل هذه الوعود إلى واقع ملموس، أم أننا أمام دورة جديدة من التعطيل والانتظار، على حساب حقوق موظفين لطالما انتظروا العدالة والكرامة في عملهم؟ إن الإجابة على هذا السؤال ستكون مؤشراً مهماً على قدرة الدولة اللبنانية على تجاوز أزماتها المتعددة، وبناء مستقبل أفضل لموظفيها ولجميع أبنائها.