في حي أبو إسكندر بمدينة غزة، تجلس مجدولين محيسن، في منزلها، تراقب بصمت أبناء نجلها الشهيد 'رامي' وقد غابت عنه الحياة قبل أيام قليلة.

تحاول أن تستجمع القوة في عينيها، لكن الدموع تفضح ألمها فعيون الأطفال الأربعة تبحث عن الأب، عن الصوت، عن كفّه التي كانت تطمئنه ولا تجد سوى الصمت.

تلك النظرات لا تغادرها منذ أن أعدم الاحتلال ابنها البكر 'رامي' في 22 يوليو الجاري، بينما كان يحاول فقط الحصول على كيس من الطحين لأسرته التي بات الجوع ينهشها.

كيس دقيق

في صباح ذلك اليوم، توجه رامي، الأربعيني، إلى منطقة 'زكيم' شمال غرب غزة، حيث تمر قوافل المساعدات الإنسانية النادرة من هناك، كان يأمل أن يظفر بما يسد رمق زوجته وأطفاله في ظل مجاعة هي الثانية منذ بدء الحرب الإسرائيلية الضروس على القطاع.

ويروي محمد محيسن، شقيق الشهيد، لـ 'فلسطين أون لاين' تفاصيل ما حدث، قائلا: 'خرج رامي، على أمل أن يعود بقوت أطفاله، فجلس بالقرب من أحد البيوت المدمرة بانتظار الشاحنات، شمال غرب قطاع غزة، ولكن حين اقتربت دبابة إسرائيلية، فرّ مع بعض الشبان إلى مدرسة مدمّرة قريبة للاحتماء من الرصاص'.

وبحسب شهود عيان، حاصرت دبابة إسرائيلية الموقع، وأطلقت النار عشوائيًا، فبعض الشبان تمكنوا من الفرار، بينما احتمى 'رامي' وأربعة آخرون داخل المدرسة.

ويتابع محيسن، بحسب شهود العيان، اقتربت قوات الاحتلال من المكان، ومنعت الدخول والخروج، حاول من بداخل المدرسة التمسك بالحياة، ولكن طلب منهم جيش الاحتلال الاستسلام.

ويردف: 'خرج الشبان رافعين أيديهم، بلا سلاح، ولكن طائرة مسيرة أطلقت النار مباشرة على رؤوسهم'، مؤكدًا أن ما جرى كان إعدامًا ميدانيًا متعمدًا.

مرت ساعات طويلة، والعائلة تنتظر عودة 'رامي' فعشرات ممن توجهوا لجلب المساعدات عادوا، بعضهم مصاب، وبعضهم يحمل أكياس الدقيق، لكن 'رامي' لم يعد.

بدأ القلق يتحوّل إلى خوف، والخوف إلى واقع مؤلم حين وردت أنباء عن مجزرة ارتكبها الاحتلال في المنطقة، راح ضحيتها أكثر من 80 شهيدًا وفق مصادر طبية.

ويردف محيسن، توجه أفراد الأسرة إلى المستشفيات، يسألون عن الغائب، حتى أبلغهم بعض رفاقه بأنهم تمكنوا من انتشال جثمان 'رامي' من تلك المنطقة التي أعدم فيه بعد ساعات، ونقلوه إلى عيادة شهداء الشيخ رضوان.

ويقول محيسن: 'أخبرنا الطاقم الطبي أنهم واجهوا صعوبة كبيرة في انتشال الجثمان، لكنه نُقل أخيرًا إلى العيادة، وعندما كشفنا الغطاء، أدركنا أنه 'رامي' رصاصة مباشرة اخترقت رأسه، تسببت في تهتك في الجمجمة ونزيف داخلي حاد'.

ويؤكد محيسن، أن 'رامي' لم يكن مقاتلًا، ولا مسلحًا، لم يذهب إلا بحثًا عن الطعام، لكنه قُتل بدم بارد، كما قُتل العشرات غيره في ذلك اليوم، ويتساءل بألم: 'ما ذنب أخي؟، لماذا يُعدم المدنيون أمام العالم؟'.

ويتابع وهو ينظر إلى أبناء شقيقه الشهيد، كان 'رامي' دائمًا يتحمل، يصبر، لا يشكو، هذه المرة فقط خرج بحثًا عن لقمة العيش بعد أن عجز عن إيجاد حتى كسرة خبز، جيوبه فرغت، والأسعار نار، ولم يعد هناك مجال للصمود، فذهب ينتظر المساعدات فكان الثمن حياته'.

ويضيف بأسى: 'إلى متى يستمر هذا الصمت العالمي؟، وأين هي منظمات حقوق الإنسان؟، هل باتت حياة الفلسطيني لا تساوي شيئًا؟'.

ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشن قوات الاحتلال الإسرائيلي حربا ضروس على قطاع غزة، وترتكب المجازر بحق أبناء الشعب الفلسطيني والمدنيين ومنتظري المساعدات.

وحتى لحظة كتابة هذا التقرير، بلغ عدد الشهداء في قطاع غزة، نحو 59,219، وأكثر من 143,045 جريحًا، وفقًا لوزارة الصحة، وما يزيد عن 72% من الضحايا هم من النساء والأطفال.