اخبار لبنان
موقع كل يوم -صحيفة الجمهورية
نشر بتاريخ: ٢٧ أيار ٢٠٢٥
قد يكون من المبكر الحديث عن موعد عودة نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس إلى بيروت. فما هو متداول من معلومات حتى اليوم ليس دقيقاً. وقد اختلطت الأمور على البعض، فتسرّع في تحديد المواعيد وعناوين جدول الأعمال، فيما تسارعت المواقف الأميركية بعد زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للخليج. ولذلك تلاحقت اللقاءات الأميركية - السورية لاختصار الطريق لفك العقوبات عن سوريا. وعليه، ما هو المرتقب في سوريا كما في لبنان؟
تراقب المراجع السياسية والديبلوماسية بكثير من الجدّية مسار العلاقات الأميركية - الخليجية وما انتهى إليه القرار الأميركي برفع العقوبات عن سوريا بنحو موازٍ. وهو أمر يقود إلى قراءة التطوّرات المنتظرة على ضوء التوجيهات الرئاسية الأميركية التي رجّحت التوصّل إلى فك العقوبات المختلفة على أشكالها في مدة لا تزيد على 90 يوماً. وهي المهلة الكافية ليعود الكونغرس الأميركي عن قوانين سابقة أقرّها بتعاون غير مسبوق جَمَع الديموقراطيِّين والجمهوريِّين عند إصدارها، وهو ما قد يؤدّي إلى التراجع عنها بفترة قياسية، في وقت يُمكن تجميد ما فرضته القرارات التنفيذية الرئاسية التي أصدرها ترامب شخصياً على المؤسسات الحكومية وفي القطاعات العامة، فيما لن تمسّ تلك التي طاولت شخصيات سياسية وعسكرية ومالية، معظمهم من أركان النظام المنهار، عدا عن الرئيس السوري السابق المعزول الدكتور بشار الأسد وعائلته والقريبين منه.
على هذه الخلفيات تتلاحق الخطوات التي تترجم مجموعة التفاهمات التي توصّل إليها ترامب مع دول الخليج العربي الثلاث، على المسارات المالية والاستثمارية البعيدة المدى التي تمتد مفاعيلها حتى سنة 2040، في وقت ستنطلق الاتصالات المباشرة مع أركان النظام السوري الجديد، والتي ستُستهَل باللقاء المنتظر بين المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس باراك مع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني، وهو اللقاء الأول على هذا المستوى، بعد لقاء الشرع وترامب في الرياض في 14 أيار، على أن تُشكّل مجموعة من اللجان التي تستعد للعمل انطلاقاً من السفارة الأميركية في أنقرة في المرحلة الحالية، قبل أن تنتقل إلى أي مكان آخر سواء في واشنطن أو دمشق.
وتزامناً مع هذه التطوّرات المتسارعة، تتّجه الأنظار لاستقصاء حصة لبنان من هذه الحركة السياسية والديبلوماسية والقانونية الأميركية الناشطة التي ولّدتها الدينامية الجديدة الناجمة عن زيارة ترامب الخليجية، وهو ما يرتبط مباشرة بحركة نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس تجاه لبنان، بعد أن أرجأت زيارة كانت متوقعة هذا الأسبوع إلى مرحلة لاحقة، قيل إنّها مرتبطة بما كانت تتوقع تطبيقه من خطوات لم ترَ النور بعد.
بالإضافة إلى ما تلحظه من توجّهات أميركية جديدة أكثر تشدّداً، وهي شبيهة بتلك التي أدّت إلى إطلاق المسار التفاوضي مع دمشق، بعدما تجاوبت السلطات السورية سريعاً وبطريقة أكثر تفاعلاً مع الشروط والملاحظات الأميركية والخليجية التي تلاقت في أكثر من ملف حيَوي، على عكس ما هو قائم على خط العلاقات الأميركية والخليجية مع لبنان، نتيجة التعثر في بعض الخطوات التي كانت تنتظرها واشنطن قبل أن تبادر إلى ما سيَليها من خطوات تقود إلى الإنفراج المتوقع على الساحة اللبنانية.
وانطلاقاً من هذه الأجواء، تعترف مراجع سياسية وديبلوماسية مطلعة على ما يجري تداوله من أفكار بين بيروت وواشنطن، بأنّ ما كانت تتوقعه الإدارة الأميركية لم يتحقق بعد. وإنّ الاتصالات بالقنوات المفتوحة مع السفارة الأميركية في عوكر وأورتاغوس وفريق عملها، كما بالنسبة إلى رئاسة اللجنة العسكرية الخماسية المكلّفة الإشراف على تطبيق القرار 1701 وفق الخطوات التي حدّدها تفاهم 27 تشرين الثاني 2024، لم تنتهِ بعد إلى النتيجة التي كانت متوقعة. وإن تحقق شيء ما، فهو ما زال ضمن الهامش الضيّق الذي لا يحلّ أي عقدة. وإن قيل إنّ ما جُمِع من أسلحة الفصائل الفلسطينية وتفكيك مواقع لها ما زال محدوداً في رأي المعنيِّين من الإدارة الأميركية، في انتظار ما انتهت إليه زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس على المستوى عينه. ولا يكفي ما أكّده رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أمس عن عملية جمع الأسلحة من 3 مخيّمات فلسطينية صغيرة في ضاحية بيروت، فهي لا تُحتسب من بين الإنجازات التي تؤدّي إلى تعزيز الاستراتيجية الأميركية المعتمدة.
وكل ذلك يجري في وقت يُصرّ لبنان على الإسراع في تأمين الانسحاب الإسرائيلي من التلال المحتلة في الجنوب وإطلاق الأسرى اللبنانيِّين لديها من جهة، كشرط أساسي وضعته قيادة 'حزب الله' لتزخيم الاتصالات المحدودة الجارية حتى اليوم لهذه الغاية.
وبناءً على ما تقدّم، كشفت المصادر المعنية أنّ لبنان يستعد لإطلاق بعض الخطوات التي يمكن أن تفتح ثغرة في الجدار الأميركي السميك، وهي تقول باستعداد لبنان لمناقشة مشروع تشكيل اللجان العسكرية والقانونية والتقنية التي تحدّثت عنها أورتاغوس عقب الاجتماع الأخير للجنة العسكرية في 11 آذار الماضي. وهي خطوة يأمل لبنان في أن تتكفّل باستئناف البحث من حيث توقفت المناقشات مع الجانب الإسرائيلي حول النقاط الحدودية الـ13 المختلف عليها على الحدود الدولية مع فلسطين المحتلة، ومصير المواقع الإسرائيلية الخمسة المحتلة ونتائج الجهود المبذولة للإفراج عن الأسرى اللبنانيِّين في إسرائيل، مع ما يتلازم معها لجهة البحث في قضايا أخرى متصلة بمصير الأسلحة غير الشرعية بمختلف هوياتها اللبنانية والفلسطينية، بطريقة تشبه البرنامج الذي وضع مع القيادات الفلسطينية وستنطلق مراحله التنفيذية منتصف حزيران المقبل.
إلى هذه الملاحظات، ثمة مَن يعتقد في لبنان بأنّ التأخير الحاصل في بعض الخطوات المطلوبة من 'حزب الله' قد يُصبح أكثر صعوبة بعد الانتخابات البلدية التي رفدت الحزب بمعنويات عالية، حسم خلالها معارك البلديات حتى في القرى المدمّرة في غياب أي معارضة شيعية أو شيوعية، واستنكاف كثر عن المواجهة مع الحزب والحركة. فتنازلوا للتوافق وخوفاً من العمليات العسكرية الإسرائيلية التي ساعدت 'الثنائي الشيعي' بغاراتها عشية فتح صناديق الاقتراع في الجنوب على تعزيز موقعه بين قواعده، وهو أمر قد يتكرّر في الانتخابات النيابية المقبلة، وسُيستثمر في مواجهة الأطراف الداخلية وليس إسرائيل التي اطمأنت إلى ما حسمته الضمانات الأميركية لأمنها، وبقي عليها أن تعزّز الشروخ الداخلية في لبنان والحفاظ على السلاح الذي يقلق الداخل قبل الخارج. وهو ما لم يتنبّه اليه الجانب الأميركي حتى اليوم، لا بل يعزّزه إن بقِيَت إسرائيل في المواقع المحتلة، بعد تقليص الحجة التي يتذرّع بها الحزب بعد سيطرة الشرع على سوريا والحديث عن مخاطر سورية باتت بالنسبة إلى الطائفة الشيعية التي يختصر تمثيلها، مصدر خوف وقلق أكبر من الخطر الإسرائيلي، عدا عمّا انتهى إليه من حصار مالي وجغرافي أقفل بوابات التهريب ونقل الأموال النقدية والمشتقات النفطية عبرها.
على هذه الخلفيات يمكن مقاربة الزيارة المقبلة لأورتاغوس إلى بيروت. إذ لا يكفي أن يحصد لبنان من النهضة في سوريا المتأتية عن فك العقوبات إعادة النازحين، لأنّها عملية غير مضمونة بالدرجة التي تُشكّل انفراجاً إن بقيَ الحُكم الجديد على موقفه المتردّد من استعادتهم جميعاً، لأنّهم مورد رزق مالي لا يُستهان به طالما أنّ المنظمات الأممية مصرّة على تمويل بقائهم في لبنان وليس في أي منطقة أخرى، وهو ما يَفيض على همّ السلاح الذي قد يصدأ في مخازنه.