اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٣٠ كانون الأول ٢٠٢٥
كتب غسان ريفي في 'سفير الشمال':
فرض العام 2025 نفسه على روزنامة لبنان السياسية والأمنية، وشكّل محطة جديدة في مسار الصراع المفتوح على موقع لبنان ودوره في المنطقة.
هو عامٌ حاول فيه العدو الاسرائيلي فرض وقائع ميدانية وسياسية، فيما سعى عهد رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون إلى منع الانزلاق نحو حرب شاملة، وحماية الحد الأدنى من الاستقرار الداخلي، وقدمت المقاومة نموذجا في الإلتزام وفي الصمود على حد سواء، فلا هي إستدرجت الى خرق وقف إطلاق النار ولا هي توقفت عن ورشة الترميم لإعادة بناء القدرات التي بقيت موضع قلق وإرباك لدى أميركا وإسرائيل ومن لف لفهما، لا سيما بعد تقديم مشهديات شعبية تؤكد تمسك البيئة بنهج المقاومة من تشييع السيدين الشهيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين إلى التجمع الكشفي الكبير لكشافة المهدي إلى إضاءة صخرة الروشة.
سياسياً، دخل لبنان عام 2025 محمّلاً بتراكمات الانهيار الاقتصادي والحصار المالي، في ظل ضغوط خارجية واضحة هدفت إلى ربط أي دعم اقتصادي بشروط سياسية وأمنية تمسّ جوهر السيادة الوطنية، وجاءت حكومة الرئيس نواف سلام بعناوين إنقاذية، على المستوى الأمني بتفعيل الدبلوماسية والضغط على المجتمع الدولي لدفع إسرائيل نحو الإلتزام بوقف إطلاق النار، وعلى المستوى الإقتصادي بتحقيق الإصلاحات وإعادة الثقة بلبنان، وقد فشلت في تحقيق ذلك على مدار 11 شهرا، فلا الأمن تحقق ولا إسرائيل إنسحبت ولا الاصلاحات تحققت، فيما التنظير سيد الموقف والشعارات تخيم على المواقف والتصريحات، فيما بعض الوزراء يقدمون أسوأ نماذج لا سيما وزير الخارجية يوسف رجي الذي يشرب “حليب السباع” صباحا للوقوف بوجه التصريحات الإيرانية، ويبكي ليلا في الحضن الأميركي لإقناع إسرائيل بوقف إعتداءاتها، فضلا عن إلتزامه بحزب القوات اللبنانية أكثر من إلتزامه بالموقف الرسمي للدولة اللبنانية رئيسا وحكومة.
وفي هذا السياق، برزت محاولات متكررة من الحكومة لإعادة طرح ملف السلاح خارج سياقه الوطني، وكأن المشكلة في لبنان هي عناصر قوته، لا الاعتداءات الاسرائيلية المستمرة عليه.
على الصعيد الأمني، بقي الجنوب اللبناني عنوان الاشتباك المفتوح. الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة خلال عام 2025 لم تكن منفصلة عن سياق إقليمي أوسع، حيث حاول العدو اختبار حدود الرد، وتسجيل نقاط سياسية داخلية في ظل أزماته المتلاحقة، وهو خرق إتفاق وقف إطلاق النار أكثر من خمسة آلاف مرة، وفي إحصاء سريع فإن هذه الاعتداءات التي إستمرت على مدار أيام السنة، أسفرت عن سقوط شهيد وثلاثة جرحى في كل يوم، في ظل عدم تحريك ساكن من قبل الحكومة حتى على صعيد تقديم الشكاوى الى مجلس الأمن إلا فيما ندر، وفي ظل عدم مبالاة من لجنة الميكانيزم التي بالرغم من تعاقب ثلاثة جنرالات أميركيين عليها، وتطعيمها مؤخرا بمدني إلا أن ذلك لم يبدل من وظيفتها كشاهد زور أو كعداد للخروقات لا أكثر ولا أقل.
ومع ذلك، فقد أثبتت الوقائع، أن العدو قادر على الإزعاج، لكنه غير قادر على فرض معادلة جديدة، ولا على كسر إرادة المقاومة التي إرتبط مصدر قوتها بصمتها وغموضها، وهي ضبطت النفس الى أبعد الحدود، وشكلت مع الجيش اللبناني المتمسك بعقيدته الوطنية المعادية لإسرائيل عنصر صمود إضافي منع تحويل لبنان الى ساحة مستباحة أو الى ورقة تفاوض مجانية.
اقتصادياً واجتماعياً، واصل اللبنانيون تحمّل كلفة حصار غير معلن، تُستخدم فيه الأدوات المالية والنقدية للضغط السياسي. مشاريع “الإصلاح” طُرحت مجدداً، لكن الكثير منها جاء محمّلاً بوصفات جاهزة، لا تراعي الواقع اللبناني ولا تحمي الفئات الأكثر تضرراً.
في المقابل، برز المجتمع اللبناني كعادته: شبكات تكافل ومبادرات أهلية، وساهمت في منع الانفجار الاجتماعي، وأكدت أن هذا البلد لا يزال يملك عناصر قوة خارج حسابات الأسواق والمؤسسات الدولية، وقادر على مواجهة الحصار.
شهد عام 2025 معركة وعي، حيث فشلت كل محاولات شيطنة المقاومة، وتحميلها مسؤولية كل أزمات لبنان، بالرغم من ترافق ذلك مع الضغط الأمني والاقتصادي. غير أن التجربة أثبتت أن غياب المقاومة لا يعني قيام الدولة والتي حضرت بالتزامها معها بوقف إطلاق النار، بل غياب المقاومة يعني فتح الباب أمام العدوان والفوضى والهيمنة وصولا إلى الاستسلام الذي يسعى إليه العدو.
يدرك أكثرية اللبنانيين اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، أن معركتهم ليست بين دولة ومقاومة، بل بين: مشروع يريد لبنان ضعيفاً منزوع القدرة، ومشروع يريده قوياً، قادراً على حماية نفسه، وبناء دولته من موقع الندّية لا التبعية.
لم يكن عام 2025 عام انتصارات كبرى، لكنه كان عام منع الهزيمة. لم تتحقق الانفراجات الاقتصادية، لكن لبنان لم يُكسر. لم تتوقف الاعتداءات، لكن العدو لم ينجح في فرض شروطه.
كل ذلك يؤكد أنه في زمن التحوّلات الكبرى في المنطقة، يبقى لبنان رغم كل أزماته رقماً صعباً لا يمكن شطبه، ولا يمكن تطويعه، وقد جاءت زيارة البابا لاوون الرابع عشر التاريخية وما حملته من دلالات لتؤكد أهمية وطن الأرز عالميا..











































































