اخبار الاردن
موقع كل يوم -صحيفة السوسنة الأردنية
نشر بتاريخ: ١١ تشرين الثاني ٢٠٢٥
السوسنة - يشهد العالم اليوم تحوّلاً عميقاً في طبيعة الأسواق العالمية. فالأنماط التقليدية للاستثمار — التي كانت تتمحور حول الكتل الاقتصادية الكبرى والقطاعات الراسخة — تتعرض لإعادة تشكيل بفعل عوامل جديدة: التسارع الرقمي، والانقسام الجيوسياسي، وانتقال الأنشطة الاقتصادية إلى الفضاء الإلكتروني. وللمستثمر الذي يسعى لاقتناص الفرص في هذا العصر الجديد، من الضروري فهم ما يجري وأين تكمن إمكانيات النمو.
تغيّرات هيكلية في الأسواق العالمية
تشير الاتجاهات الحالية إلى عدة محاور رئيسية للتحول. فبحسب تقرير بعنوان “Gears in Motion: What’s Driving Global Markets Now with Crypto trading”، تشمل العوامل المحركة للأسواق في عام ٢٠٢٥ استمرار التضخم، وتعديلات السياسة النقدية من قبل البنوك المركزية، بالإضافة إلى الدور المتزايد للتقنيات الحديثة.
كما يوضح تحليل أن المستثمرين المؤسسيين يخصصون نسباً عالية للأسهم تفوق التوزيع التقليدي (٦٠٪ أسهم و٤٠٪ سندات)، ما يدل على أن الأسواق قد تكون عند نقطة تحول مهمة.
أما منطقة آسيا والمحيط الهادئ فتشهد إعادة هيكلة في استراتيجيات النمو، حيث تتحول من الاقتصادات القائمة على التصدير إلى تعزيز الاستهلاك المحلي، في حين يعيد رأس المال العالمي النظر في وجهاته الجغرافية.
لماذا يُعد “التحول إلى الإنترنت” جزءاً من التغيير؟
1. البنية التحتية الرقمية والتكنولوجيا المتخصصة: يشهد العالم طفرة في مجالات الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات والحوسبة السحابية. هذه المجالات أصبحت محركات رئيسية للنمو طويل الأمد، كما يشير تقرير الذي يرى أن التكنولوجيا — وخاصة الذكاء الاصطناعي — تمثل فرصة هيكلية كبيرة.
2. التجزؤ الجيوسياسي وتحوّل تدفقات رأس المال: لم تعد العولمة تسير بالنسق القديم؛ فإعادة تشكيل سلاسل التوريد وارتفاع تكاليف النقل جعلت الأنشطة الرقمية والافتراضية أكثر كفاءة وربحية. وهنا يكمن تفوق “الفضاء الإلكتروني” على الجغرافيا التقليدية.
فرص استثمارية ناشئة
في ظل هذه التحولات، تبرز مجموعة من المجالات الواعدة أمام المستثمرين:
• التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي: الشركات العاملة في تطوير حلول AI والرقائق الإلكترونية والحوسبة السحابية تملك فرص نمو ضخمة، خاصة مع الدعم الحكومي والتمويل الخاص في هذا القطاع.
• الأسواق الناشئة والتنويع الجغرافي: مع ارتفاع التقييمات في الأسواق الأمريكية والأوروبية، فإن التوجه نحو الأسواق الناشئة — مثل جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية — قد يوفر فرصاً أفضل على المدى المتوسط.
• الأصول البديلة والبنية التحتية الرقمية: مراكز البيانات، شبكات الاتصالات، خدمات ، وكابلات الألياف البصرية تُعد اليوم أصولاً استراتيجية يعتمد عليها الاقتصاد العالمي الرقمي.
• العقارات الصناعية واللوجستية: الطلب المتزايد على المخازن الذكية ومراكز الخدمات الرقمية يعيد تعريف قطاع العقارات كعنصر حيوي في المنظومة الإلكترونية العالمية.
المخاطر المحتملة
بالطبع، لا تخلو هذه الفرص من تحديات ومخاطر، أبرزها:
• التقييمات العالية لأسهم التكنولوجيا، ما يتطلب إدارة دقيقة للمخاطر وتحديد نقاط الدخول المناسبة.
• السياسة النقدية ما زالت في طور التعديل؛ فاستمرار التضخم أو رفع أسعار الفائدة قد يؤثر على العائدات.
• الانقسامات الجيوسياسية قد تؤدي إلى عقوبات أو قيود تجارية جديدة.
• الإفراط في الحماس تجاه “الرقمنة” قد يخلق فقاعات سعرية في بعض القطاعات.
كيف يمكن للمستثمر الاستفادة من هذا العصر الرقمي؟
للانخراط بفعالية في الأسواق التي تتحول إلى الإنترنت، يمكن اتباع مجموعة من المبادئ العملية:
• تنويع المحفظة الاستثمارية بين الأسواق المتقدمة والناشئة، وبين الأسهم والبنية التحتية، وبين التكنولوجيا والقطاعات الدفاعية.
• التركيز على الجودة عبر اختيار شركات تتمتع بميزة تنافسية وهيكل مالي قوي ونموذج عمل قابل للتوسع.
• الاستثمار في الاتجاهات طويلة الأمد مثل الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي وتغير أنماط الاستهلاك.
• مراعاة الأفق الزمني والسيولة، إذ تتطلب بعض الاستثمارات البديلة صبراً أكبر.
• الانتباه للتكاليف والتنظيمات التي تتغير بسرعة في الاقتصاد الرقمي.
خاتمة
نعيش مرحلة انتقالية حاسمة؛ فالأسواق العالمية تتحول إلى الإنترنت بمعنى أن التكنولوجيا الرقمية والبنية التحتية للبيانات وإعادة تشكيل التجارة العالمية أصبحت العناصر المحورية للاقتصاد الجديد. بالنسبة للمستثمر، لم تعد الفرص محصورة في الجغرافيا أو القطاعات التقليدية، بل امتدت إلى فضاءات رقمية مترابطة بلا حدود.












































