لبنان أمام اللحظة الحاسمة. إنها الزيارة التي يُفترض أن تكون الأخيرة أمام مسار التفاوض الذي فتحه المبعوث الأميركي توم برّاك لمعالجة ملف سلاح «حزب الله». العنوان الأميركي في المنطقة هو إنهاء عصر السلاح المتفلت أو الخارج عن سيطرة الدولة، وهو ما تعمل واشنطن بعناية على تطبيقه وفرضه في سوريا وتسعى إلى تحقيقه في لبنان. لا تبدو الولايات المتحدة مهتمة بالتفاصيل والآليات والكيفية، لكن ما يهمها هو اتخاذ القرار، وتحديد المهلة الزمنية لتحقيقه، ووضع المراحل التنفيذية مع الخطة التطبيقية.

لبنان عمل على إنجاز جوابه، والذي يتركز على التمسك بحصر السلاح في يد الدولة، والسعي إلى تحقيق ذلك في أقرب وقت ممكن، بالإضافة إلى امتلاك الدولة لقرار الحرب والسلم، والالتزام بالقرار 1701، وبتحسين وتطوير العلاقات مع سورية وترسيم الحدود معها، بالإضافة إلى انجاز الإصلاحات. في المقابل، يطالب لبنان بضمانات تتعلق بوقف الضربات الإسرائيلية وعمليات الاغتيال، مقابل أن يبدأ بتسلم السلاح من «حزب الله» في مناطق شمال نهر الليطاني. ويقترح لبنان أن تكون هذه المرحلة الأولى وعلى قاعدة خطوة مقابل خطوة، أي أن توقف اسرائيل عملياتها، في مقابل أن يسحب الجيش اللبناني السلاح من مناطق في شمال نهر الليطاني، بعدها يتم الانتقال إلى مرحلة بدء الانسحاب الإسرائيلي فيوسع الجيش من انتشاره ويوافق «حزب الله» على تسليم أسلحة من مناطق مختلفة. حتى الآن هناك صمت إسرائيلي طويل عن التعاطي مع هذا المقترح الأميركي وآلية المفاوضات اللبنانية ــ الأميركية، حتى أن المسؤولين الإسرائيليين غائبون عن التصريح كلياً حول الوضع في لبنان.

أما بالنسبة إلى «حزب الله» فيتضح من كلام أمينه العام الشيخ نعيم قاسم أن الجواب اللبناني أو التعاطي الإيجابي مع المقترح الأميركي لا يمثله، أو أن الحزب لا يوافق عليه ولن يلتزم به. وفي حال حصل ذلك ولم يتم الوصول إلى صيغة تلائم الطرفين، فإن مخاطر التصعيد ستتجدد بالمعنى العسكري إسرائيلياً، وبالمعنى السياسي والاقتصادي أميركياً وإقليمياً، وهو ما سيجعل لبنان في عزلة يُراكم خلالها الأزمات. هذا الأمر تلتقط إشاراته كل مراكز القوى في لبنان، وهو ما يحاول الرؤساء الثلاثة العمل على تفاديه إلى جانب تفادي حصول أي تصعيد والوصول إلى آلية عمل يمكنها أن تُخرج لبنان من هذه الدوامة من دون اهتزازات كبيرة.

ويرفض «حزب الله» المعادلة الإقليمية والدولية القائمة في المنطقة، ولا سيما في سوريا، خصوصاً عندما خرج الشيخ نعيم قاسم وأعلن عن المخاطر الآتية من سورية ووضع السلاح في خانة الدفاع عن الوجود وعن عدم تحقيق غاية دولية في دمج لبنان بسورية كما وصفها. لذلك يستند الحزب على المشهد السوري لرفض تسليم سلاحه وللتشديد على مسألة الضمانات والاستراتيجية الدفاعية والحوار الداخلي، وهو لا يزال يتشدد ويتمسك برفض أي كلام عن سحب السلاح من دون الحصول على ضمانات فعلية تتصل بانسحاب إسرائيل ووقف اعتداءاتها، ومن دون الحصول على ضمانات تتصل بوضع الجبهة الشرقية. وسيكون موقف الدولة اللبنانية مختلفاً عن موقف «حزب الله»، فالأخير الذي يرفض تسليم السلاح، تدور حوله نقاشات كثيرة بين من يشير إلى وجود انقسام بداخله، ومن يعتبر أن مثل هذا القرار يمرّ بطهران، والوقت لم يحن للحسم بشأنه. بينما هناك من يعتبر أن «حزب الله» قد يسعى بنفسه للدخول في مسار تفاوضي مباشر مع الولايات المتحدة للحصول على ضمانات تتصل بدوره وموقعه في بنية النظام اللبناني.