تقرير– شهاب

مع دخول التصعيد الإيراني–الإسرائيلي يومه الخامس، بات من الواضح أن المعركة تجاوزت حدود 'الردع المحسوب' لتدخل في طور جديد عنوانه 'الضربات الاستراتيجية المتبادلة'، ما يشير إلى تحول جوهري في قواعد الاشتباك، وخطورة المآلات التي يمكن أن تتجه إليها المنطقة.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة أن إسرائيل دخلت المواجهة بعقلية 'الضربة الاستباقية'، مستهدفة المكونات الأكثر حساسية في البنية النووية الإيرانية.

وأوضح أن الاحتلال دمر أكثر من 120 منصة إطلاق صواريخ باليستية ومقرات 'قوة القدس'، كما أشار إلى أن إسرائيل اختارت التصعيد ضد علماء البرنامج النووي، حيث تم اغتيال 14 عالمًا.

تعقيبًا على ذلك، يشير عفيفة إلى أن هذا السلوك يعكس مأزقًا وجوديًا مزدوجًا لإسرائيل: فهي لا تستطيع تحمل وجود برنامج نووي مكتمل لدى إيران، لكنها أيضًا غير قادرة على خوض حرب شاملة طويلة الأمد في ظل تآكل تماسك جبهتها الداخلية. فاستهداف المنشآت النووية ليس فقط رسالة ردع، بل هو محاولة لـ'كسر المسار الزمني' الذي تراهن عليه إيران للتموضع كقوة نووية محتملة.

من وجهة نظر عفيفة، فإن الرد الإيراني يتجاوز الحسابات التقليدية، حيث تُظهر طهران تصميمًا واضحًا على تثبيت معادلة 'القصف بالقصف'، وفرض معادلة ردع متكافئة في العمق الإسرائيلي. وهذا تطور لافت، إذ يشير إلى أن إيران لم تعد تكتفي بإدارة المعركة عبر وكلائها، بل باتت تتحمل كلفة الاشتباك المباشر، ما يعكس تحولًا استراتيجيًا في العقيدة الإيرانية التي باتت تعتبر إسرائيل تهديدًا آنيًا وليس بعيد المدى فقط.

أما الباحث في الشأن الأمني رامي أبو زبيدة، فقد أشار إلى أن إيران نفذت هجومًا نوعيًا عبر دفعات صاروخية مركزة، استهدفت مناطق إسرائيلية حيوية شملت تل أبيب، حيفا، الناصرة، القدس، بئر السبع، مطار بن غوريون، بالإضافة إلى استهداف مبانٍ سكنية بشكل مباشر.

وتعقيبًا على ذلك، يرى أبو زبيدة أن هذه الهجمات تُظهر تطورًا نوعيًا في قدرات إيران الصاروخية من حيث الدقة والاستخبارات الميدانية. إذ لم تكن الضربات عشوائية، بل موجهة إلى أهداف محددة داخل التجمعات المدنية والعسكرية على السواء. كما يشير إلى أن إيران تستخدم هذه الهجمات ليس فقط لتوجيه الألم، بل لإظهار أن لديها 'خريطة دقيقة' للمفاصل الحيوية الإسرائيلية، وهو تطور يضع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أمام تحدٍّ غير مسبوق.

يشير أبو زبيدة إلى أن إسرائيل نفذت ضربة دقيقة في قلب العاصمة الإيرانية طهران، ما أسفر عن اغتيال اللواء علي شدماني، رئيس أركان الحرب للطوارئ، وهي شخصية عسكرية رفيعة مرتبطة مباشرة بإدارة سيناريوهات المواجهة الكبرى.

وتابع:' الأمر هنا يحمل أبعادًا أمنية خطيرة، فاغتيال شخصية بهذا المستوى في قلب العاصمة الإيرانية يعكس اختراقًا استخباراتيًا واسعًا، ويمثل إهانة بالغة للمؤسسة العسكرية الإيرانية. لكن الأخطر من ذلك، هو أن هذا النوع من الضربات يمكن أن يُقابَل برد غير تقليدي، وربما خارج المسرح الإسرائيلي، عبر استهداف المصالح الأميركية أو الإسرائيلية في دول الجوار'.

ويرى أبو زبيدة أن استهداف معهد وايزمن للأبحاث يُعدّ من أجرأ خطوات إيران، فهو تحدٍ مباشر لعقل الأمن الإسرائيلي العلمي. فالمعهد لا يقتصر على الجانب الأكاديمي، بل يمثل عصبًا في تطوير تكنولوجيا الردع والأبحاث النووية.

وأردف' هذا الأمر يلفت النظر إلى أن إيران باتت تنتهج سياسة 'المعاملة بالمثل'، حيث لم تعد تكتفي بالرد العسكري، بل انتقلت إلى استهداف مراكز الفكر والتطوير الأمني، محاولة بذلك هز أسس البنية الاستراتيجية لإسرائيل من الداخل، لا فقط ردعها عسكريًا'.

ورصد الباحث الأمني تدهورًا كبيرًا في تماسك الجبهة الداخلية الإسرائيلية، مؤكدًا أن صفارات الإنذار دوّت في أكثر من 20 مدينة وبلدة، في مشهد غير مسبوق منذ حرب 1973. كما تم تسجيل حالات هلع، محاولات هروب جماعي إلى الخارج، وإخلاء مبانٍ بشكل عشوائي.

وعقب أبو زبيدة بالقول إن إيران نجحت في تحويل الحرب إلى داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه، حيث بات المواطن يشكك في قدرات الدولة، وفي نجاعة 'القبة الحديدية' التي لطالما تغنت بها المؤسسة الأمنية. وهذا التحول قد يكون أخطر من الضربات نفسها، إذ تفكك الثقة بين الدولة ومواطنيها هو أول مراحل الانهيار الاستراتيجي لأي نظام في حالة حرب.