من المتوقّع أن يسافر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى برلين اليوم، في أول زيارة له إلى ألمانيا منذ أن تولّى المستشار فريدريش ميرتس منصبه في وقت سابق من هذا الشهر.

تأتي هذه الزيارة في لحظة حاسمة في العلاقات الألمانية- الأوكرانية. فمع تصاعد الشكوك حول استمرار التزام الولايات المتحدة تجاه كييف، برز ميرتس كشخصية قيادية في التحالف الأوروبي الداعم لأوكرانيا. وقد تَطلّب ذلك منه التخلّي عن نهج الحذر الذي اتّبعه سلفه أولاف شولتس، على رغم من معارضة داخلية في الائتلاف الحاكم لتوسيع الدعم العسكري الألماني.

بعد غزو روسيا لأوكرانيا في شباط 2022، استغرق الأمر أكثر من عام حتى وجّه شولتس دعوة إلى زيلينسكي لزيارة برلين. وعلى رغم من أنّ الزعيم الأوكراني لم يَزُر برلين منذ تشرين الأول، فإنّ زيارة اليوم التي تستغرق يوماً واحداً ستكون اللقاء الثالث بينه وبين ميرتس منذ تولّى الأخير منصبه في 6 أيار.

ما الذي من المرجّح أن يناقشه الزعيمان؟

من المتوقع أن تكون المساعدات العسكرية مِحوَر النقاش، ولا سيما صواريخ كروز «تاوروس»، وهي منظومة طُوّرت بشكل مشترك بين ألمانيا والسويد.

يمتاز صاروخ «تاوروس» بحجمه الكبير ونظام توجيهه المتقدّم ومداه الذي يصل إلى 310 أميال، ما يعني أنّه قادر على تنفيذ ضربات دقيقة وعميقة داخل الأراضي الروسية أكثر من الصواريخ الأخرى المتوفّرة حالياً في الترسانة الأوكرانية.

لطالما شكّلت صواريخ «تاوروس» أولوية على قائمة أمنيات زيلينسكي. فعلى رغم من أنّ بريطانيا وفرنسا تزودان أوكرانيا بصواريخ كروز SCALP/Storm Shadow المطوّرة بشكل مشترك، إلّا أنّ صواريخ «تاوروس» قادرة على الوصول إلى جسور تربط شبه جزيرة القرم بالبر الروسي.

وقد قدّمت ألمانيا، أو التزمت بتقديم، ما مجموعه نحو 32 مليار دولار كمساعدات عسكرية لأوكرانيا، شملت أسلحة ومواد مأخوذة من مخزون الجيش الألماني، إلى جانب تدريب ما يقرب من 10,000 جندي أوكراني، وفقاً للحكومة الألمانية.

ما موقف ميرتس من صواريخ «تاوروس»؟

الحكومة السابقة، بقيادة أولاف شولتس المنتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، رفضت تزويد أوكرانيا بصواريخ «تاوروس» خشية أن يؤدّي ذلك إلى تصعيد الصراع. ميرتس انتقد هذا الموقف مراراً في خريف العام الماضي، وأعلن خلال حملته الانتخابية في وقت سابق من هذا العام أنّه سيُغيِّره.

في إحدى المناسبات، اقترح أن يوجّه شولتس إنذاراً نهائياً إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قائلاً إنّه، في حال كان هو المستشار، سيُرسل صواريخ «تاوروس» إذا لم تتوقف روسيا عن قصف المدنيِّين، قبل أن يتراجع عن ذلك لاحقاً.

في مقابلة في نيسان، قبل أن يتسلّم ميرتس منصبه، أعرب زيلينسكي عن تفاؤله بأنّ الحكومة المقبلة ستبدّل موقفها، مؤكّداً: «سنعمل على ذلك. إنّه أكثر بقليل من مجرّد أمل».

ماذا أعلن ميرتس منذ تولّيه المنصب؟

منذ تولّيه المنصب، لم يكن ميرتس واضحاً بشأن ما إذا كان سيُرسل صواريخ «تاوروس» إلى أوكرانيا. في خطاب تنصيبه أمام البرلمان، ألمح إلى أنّه سيُوسّع تسليم الأسلحة، وأنّ ألمانيا لن تعلن بعد الآن بشكل علني عن نوعية الأسلحة المقدّمة، حفاظاً على مستوى من الغموض يخدم المجهود الحربي الأوكراني.

في مقابلة مع محطة ZDF الألمانية في 15 أيار، كشف إنّ صواريخ «تاوروس» «ليست مطروحة حالياً».

وحين أعلن ميرتس، يوم الاثنين، أنّ ألمانيا لن تضع بعد الآن قيوداً على مدى الأسلحة التي ترسلها إلى أوكرانيا، برز فوراً السؤال حول إمكانية تسليم صواريخ «تاوروس».

وأضاف أمام جمهور خلال مؤتمر سياسي في برلين: «لم تَعُد هناك قيود على مدى الأسلحة المقدّمة إلى أوكرانيا. لا من البريطانيِّين، ولا من الفرنسيِّين، ولا منا. ولا حتى من الأميركيِّين».

لكنّه أشار، أمس، إلى أنّ هذه القيود رُفِعت منذ أشهر عدة. وبما أنّ أنواع الأسلحة التي قدّمتها ألمانيا حتى الآن لا تتجاوز عموماً مدى 50 ميلاً، فإنّ قرار رفع القيود لم يُغيِّر مجريات الحرب حتى الآن.

في موسكو، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، إنّ تصريح ميرتس بشأن الضربات بعيدة المدى داخل الأراضي الروسية جعل موسكو تشتبه في أنّ القرار بهذا الشأن «اتُّخذ منذ فترة طويلة، لكنّه أُبقيَ سراً»، مضيفاً أنّ مسؤولين ألماناً آخرين ناقضوا تصريحات ميرتس.

كيف تحوّل صاروخ «تاوروس» إلى قضية خلافية داخل ألمانيا؟

واجه ميرتس معارضة كبيرة من أعضاء في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الحزب الوسطي اليساري الذي يشارك في الحُكم ضمن ائتلاف مع حزب ميرتس المسيحي الديمقراطي المحافظ. وداخل الكواليس، هناك حتى بعض أعضاء حزب ميرتس يتردّدون في إرسال هذا النظام الصاروخي إلى أوكرانيا.

وبعد خطاب ميرتس الافتتاحي في البرلمان، أعاد أعضاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي تأكيد معارضتهم لتسليم «تاوروس».

وأكّد ماتياس ميرش، رئيس الكتلة البرلمانية للحزب: «نحن لا نريد أن نصبح طرفاً في الحرب، ولذلك رفضنا دائماً إرسال صواريخ «تاوروس». هذا لا يزال موقفنا».

وقد أدرج الحزب حتى معارضته لتسليم هذا النظام ضمن برنامجه الرسمي الذي خاض به انتخابات شباط.

واعتبر لارس كلينغبايل، وزير المالية وعضو بارز في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، يوم الاثنين، أنّ تصريحات ميرتس لا تُمثل سياسة جديدة، ما يوحي بأنّ حزبه لم يُغيّر موقفه الرافض لتقديم هذا السلاح.