خاص - شهاب

قال الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية رامي أبو زبيدة إن كمين بيت حانون الأخير لا يُعد مجرد نجاح ميداني عابر، بل يمثل نقلة نوعية في هندسة الاشتباك، مؤكداً أن 'الميدان في غزة لا يُحكم من الجو ولا يُخضع بالدبابات، بل تحكمه العقول المفخخة والقلوب الثابتة'.

جاء ذلك تعليقًا على العملية المعقدة التي نفذتها المقاومة الفلسطينية شمال قطاع غزة، حيث نصبت كمينًا مزدوجًا محكمًا في محيط بلدة بيت حانون ، أسفر عن مقتل خمسة جنود إسرائيليين وإصابة أربعة عشر آخرين، بينهم إصابات خطرة، معظمهم من كتيبة 'نتسح يهودا'.

وبين أبو زبيدة في تعقيب خاص لوكالة شهاب أنه رغم التمهيد الناري المكثف الذي سبق توغل القوات الإسرائيلية في المنطقة، فإن وحدات المقاومة نجحت في زرع عبوات ناسفة وتفجيرها، قبل أن تُفاجئ قوة الإنقاذ بوابل من النيران الدقيقة. وقد أثبت هذا النموذج التكتيكي المتكرّر فاعليته مجددًا، حيث اتبع تسلسلًا ميدانيًا دقيقًا:'تفجير العبوة → استدراج قوة الإنقاذ → إطلاق نيران مباغتة → سقوط مضاعف في صفوف العدو'.

ويرى زبيدة أن اعتماد الاحتلال على التفوق الجوي لتطهير المسارات لم يمنع وقوعه في الفخ، مشيرًا إلى فشل استخباراتي وهندسي واضح، فقد أخفقت قوات الاحتلال في اكتشاف العبوات الأرضية، وهو ما يعكس قدرة المقاومة على إعادة التفخيخ في مناطق يُفترض أنها “مطهّرة”.

وبحسب مصادر عسكرية إسرائيلية، فإن العبوات الناسفة باتت التهديد القاتل الأول للقوات البرية، حيث قُتل منذ مارس الماضي 27 جنديًا من أصل 38 بفعل العبوات فقط، سواء على الطرقات أو داخل المباني.

ويُعقّب زبيدة: 'هذا الرقم يُبرز التفوق الهندسي والتخطيط العبقري، الذي حوّل الأرض والأنفاق إلى ميدان ناري ذكي يعطّل فعالية الآلة العسكرية المتقدمة'.

وتابع:' كمائن المقاومة لم تعد تنتهي بالتفجير والانسحاب، بل أصبحت تُنفذ ويليها اشتباك مباشر طويل النفس، إذ يخرج المقاتلون من الأنفاق ومن بين الركام ليشتبكوا مع قوات الدعم، بل ويواصلون المواجهة أحيانًا لساعات'.

ويوضح زبيدة أن هذا السلوك القتالي الجديد: 'ناتج عن ثقة بالنفس، وانضباط ميداني، وتكتيك ناري متقدم يُسقط مفهوم الكمين الخاطف ويؤسس لنمط اشتباك مُبادر تتحكم فيه المقاومة بساحة المعركة'.

وأشار إلى أنه رغم سيطرة الاحتلال على بلدة بيت حانون أكثر من مرة، إلا أنها تعود في كل مرة لتُشكل بؤرة مقاومة نشطة، حيث يعتمد المقاتلون على شبكة أنفاق وتحصينات تحت الأرض لإدامة الاشتباك.

ويصف زبيدة البلدة بالقول:'بيت حانون لم تعد مجرد بلدة حدودية، بل تحوّلت إلى نموذج عسكري فريد، تُعيد ترتيب المواجهة بعد كل انسحاب، وتبتلع الجنود والمجنزرات كما يبتلع الثقب الأسود كل ما يقترب منه'.

وفي ختام تعليقه، أكد زبيدة أن 'كمين بيت حانون يُختصر في مشهده بقوة العبوة، شجاعة المقاتل، إبداع الكمين، وذكاء استخدام الأرض'، مضيفًا: 'إنه درس عملياتي صارخ للجيش الإسرائيلي: أن تسيطر فوق الأرض لا يعني أنك تملكها، فالحرب هنا تُحسم بالعقل المفخخ لا بالمجنسرة... والقلوب الثابتة هي من تُدير المعركة'.