اخبار لبنان
موقع كل يوم -الكتائب
نشر بتاريخ: ٢٠ أيار ٢٠٢٥
يستمر 'الجدل البيزنطي' في البلاد حول مسألة توزيع الخسائر، فتهرب السلطة من هذا النقاش نحو عناوين ولغات أخرى مثل هيكلة المصارف والسرية المصرفية، أملاً بقذف هذا الاستحقاق أبعد ما يمكن. تزامناً، يتلهى بعض 'الخبراء' في 'جنس الملائكة' فيرفض بعضهم وصف الأزمة المالية والمصرفية التي نعيشها منذ 5 سنوات وأكثر بأنّها 'أزمة نظامية' بينما يرى بعضهم الآخر 'لغايات في نفس يعقوب' أنّها أزمة تقنية.
الكل يعرف أنّ توزيع المسؤوليات ثم توزيع الخسائر (قانون الفجوة المالية) هو لبّ الأزمة الاقتصادية في لبنان. ولا يمكن، بأي شكل من الأشكال، إعادة الاقتصاد إلى سكة السلامة إلاّ من خلال حلّ تلك المعضلة. وهنا تبرز عند كل مرة مسألة تحميل الدولة المسؤولية. بل جزء من المسؤولية... فيستفيض المتحاورون في النقاش حول 'حُرُم' إشراك الدولة في تحمّل الخسائر، غافلين عن أنّ الدولة حققت ربحاً (ولو دفترياً مفترضاً) قيمته 100 مليار دولار... ثم يستكثرون عليها المشاركة في تلك الخسائر.
كيف هربت الدولة من التزام حجمه 100 مليار دولار؟ إليكم التفاصيل:
1. الاقتصاديون والخبراء كلهم يعرفون أنّ دين الدولة قبل الأزمة كان يعادل 90 مليار دولار (أو أكثر بقليل). تلك المليارات الـ 90 كانت غالبيتها ديوناً داخلية بالليرة اللبنانية، (قرابة 60 %) أي أنّ قيمة الدين بالليرة هي بنحو 54 مليار دولار. بعد اندلاع الأزمة، بدأ سعر صرف الليرة الانهيار وصولاً إلى 89500 أخيراً. لم تدفع الدولة من هذا الدين ليرة واحدة، وطوال تلك المدة كانت تستفيد من انهيار الليرة في 'تقزيم' هذا الدين، الذي تقلّص من 54 مليار دولار حتى وصل اليوم إلى قرابة 900 مليون دولار. أي أنّ الدولة حقّقت وفراً قيمته قرابة 53 مليار دولار وما عادت بحاجة لدفعه إلى الدائنين (المصارف).
2. تزامناً، كانت الدولة اللبنانية تصدّر 'سندات خزينة' بالدولار الأميركي (يوروبوندز مجدولة استحقاقاتها على سنوات طويلة) قيمتها نحو 31 مليار دولار. حَمَلة تلك السندات هم في الداخل والخارج (مصارف وشركات استثمارية محلية وأجنبية). أعلنت حكومة حسان دياب تعثّر الدولة في ربيع العام 2020، فتوقفت حكومته عن الدفع، واستحقت تلك المليارات الـ 31 كلّها نتيجة التعثّر. الحكومات المتعاقبة بعد حكومة حسان دياب لم تجلس كلها مرة واحدة مع الدائنين إلى مائدة المفاوضات. أغلب الخبراء الاقتصاديين يجمعون على أنّ هذا الدين بات شبه هالك، وأنّ الدولة إذا أرادت التفاوض على دفع جزء منه فلن تدفع أكثر من 25 % من قيمته... وهذا يعني أنّ المليارات الـ31 سوف تردّها الدولة قرابة 8 مليارات دولار في أحسن الأحوال، وعلى مراحل. وهذا يعني كذلك أنّ الدولة سجلت وفراً آخر إضافياً قيمته نحو 23 مليار دولار.
3. الوفر الثالث غير المنظور يكمن في رواتب القطاع العام. قبل الأزمة كانت رواتب القطاع العام تعادل 8 مليارات دولار سنوياً. كتلة رواتب القطاع العام باعتراف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة (في إحدى المقابلات مع قناة 'الحرة') أكد أن الدولة كانت تدفع 1 تريليون ليرة لبنانية على شكل رواتب لموظفي القطاع العام (12 تريليون سنوياً). لكن بعد انهيار الليرة تقلصت الرواتب، وتآكلت تباعاً حتى وصلت قيمتها اليوم إلى ما لا يزيد عن 150 مليون دولار. بذلك، استطاعت الدولة أن تكسب وفراً قيمته أكثر من 7.8 مليارات دولار في كل سنة. وبما أنّ عمر الأزمة الاقتصادية تخطى السنوات الخمس، فإنّ ما حققته الدولة من وفر هو قرابة 39 مليار دولار!
مجموع الوفر في الخانات الثلاث أعلاه هو قرابة 115 ملياراً، استطاعت الدولة من خلال الحكومات المتعاقبة أن 'تهرب' من الالتزام بها... ثم يأتي من يقول إنّ الدولة لا تتحمّل المسؤولية وليس عليها أية مسؤولية. وأن تلك المسؤولية تقع على المصارف والمودعين منفردين.
هذه المقاربة القاصرة تعني أنّ ثمة من كان يخفي هذه الحقائق والأرقام عن الرأي العام طوال تلك السنوات، ليسوّق لمقاربته الخاصة، ظناً منه أنّنا نعيش في ظلّ نظام اشتراكي أو شيوعي عنوانه: ما للدولة للدولة... وما للمواطنين للدولة أيضاً.
في الخلاصة، ثمة استنتاج بسيط لم يعد يمكن إغفاله بعد اليوم. ولم يعد كافياً القول: 'على الدولة ألّا تتحمّل أيّ مسؤولية'. وإنما يجب القول 'إنّ الدولة حققت 115 مليار دولار وفراً وترفض المشاركة بالأزمة التي تسبّبت بها'، ومن هذه المقولة يجب أن ينطلق أيّ نقاش حول توزيع المسوؤليات والخسائر.
Subscribe to our kataeb.org Youtube Channel